فيما تتسارع وتيرة الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، يواصل النظام الجزائري التورط في نزاع مفتعل تحول مع مرور الزمن إلى عبء سياسي ومالي وأخلاقي أتى على مقومات الدولة الجزائرية من الداخل. لقد أصبحت قضية الصحراء، التي تبناها النظام العسكري الجزائري كقضية مصيرية منذ سبعينيات القرن الماضي، أداة انتحار استراتيجي أكثر منها ورقة ضغط جيوسياسية.
الصحراء… العقدة الجزائرية القديمة
منذ إعلان المغرب عن استرجاع أقاليمه الجنوبية في عام 1975، اختار النظام الجزائري معاداة هذا المسار التاريخي، واحتضان حركة انفصالية مسلحة (جبهة البوليساريو) لا تملك من الشرعية سوى دعم عسكري واستخباراتي جزائري صرف. لكن هذه السياسة لم تكن يومًا دفاعًا عن “حق تقرير المصير”، كما تدّعي الخطابات الرسمية في الجزائر، بقدر ما كانت محاولة يائسة لتطويق النفوذ المغربي في المنطقة المغاربية وإبقاء الجار الغربي منشغلًا بجبهة داخلية.
المغرب يتقدم… والجزائر تنزف
بينما اختار المغرب سياسة البناء والتكامل، عبر تطوير أقاليمه الجنوبية وتحويلها إلى بوابة تنموية نحو إفريقيا، واصل النظام الجزائري إنفاق الملايير على مشروع انفصالي خاسر. النتيجة كانت واضحة: المغرب يحقق اختراقات دبلوماسية غير مسبوقة، حيث اعترفت قوى دولية مؤثرة، مثل الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا، بسيادته على الصحراء، في حين غرقت الجزائر في عزلة دولية وعجز داخلي.
أما اقتصاد الجزائر، المعتمد كليًا على مداخيل النفط والغاز، فلم يصمد أمام تقلبات الأسواق العالمية، وبدل أن توجه هذه العائدات نحو بناء اقتصاد منتج وتنمية مستدامة، تم تبديدها في صفقات السلاح وتمويل جبهة البوليساريو، وترويج دعايات دبلوماسية فاشلة.
البوليساريو على قوائم الإرهاب
في تحوّل خطير ولكنه متوقع، بدأت عدة عواصم أوروبية وأمريكية تصنف البوليساريو كحركة انفصالية مسلحة ذات صلات بجماعات إرهابية تنشط في الساحل والصحراء، من بينها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعات تهريب البشر والمخدرات. هذا التصنيف يضع الجزائر في موقف حرج على الساحة الدولية، باعتبارها الراعي والممول والمضيف السياسي والعسكري لهذه الجماعة.
ومن خلال السماح للبوليساريو بالتحرك من تندوف إلى شمال مالي، ومع تنامي تقارير التعاون بين عناصر الجبهة وبعض شبكات الإرهاب، لم يعد بالإمكان تبرير “الحق في الكفاح المسلح” كغطاء لنشاط إجرامي عابر للحدود.
في تحليله للوضع، يرى الكاتب الصحفي بوشعيب البازي أن “الجزائر لم تعد تدفع فقط ثمن عدائها للوحدة الترابية للمغرب، بل تدفع اليوم ثمن سياسة خارجية اختزلت مفهوم الأمن القومي في معاداة جار مستقر ومنفتح على العالم.” ويضيف البازي:
“النظام الجزائري عالق في منطق الحرب الباردة، في وقت تحولت فيه الصحراء المغربية إلى منصة للتنمية والتعاون جنوب–جنوب. كلما تعنتت الجزائر في موقفها، زادت الهوة بينها وبين الواقع الدولي، الذي يميل اليوم بوضوح لصالح الرؤية المغربية.”
النظام الجزائري في مأزق وجودي
اليوم، الجزائر تعيش حالة من الانفصال الكامل عن التحولات الدولية. فبينما يوقّع المغرب اتفاقيات اقتصادية وأمنية مع شركاء استراتيجيين، ويفتح قنصليات جديدة في العيون والداخلة، لا يجد النظام الجزائري سوى الحشود العسكرية على الحدود ومواصلة التحريض في المحافل الدولية.
هذا الإصرار على دعم مشروع ميت، لم يجر على الجزائر سوى القطيعة مع المغرب، وفتور العلاقات مع إسبانيا، وتراجع الدور الجزائري في إفريقيا، وحتى اهتزاز صورة البلد أمام الرأي العام الداخلي الذي بدأ يتساءل عن جدوى هذه الحرب الباردة.
الصحراء المغربية كشفت المستور
ما كان مجرد نزاع إقليمي، تحول إلى كاشف عميق لهشاشة النظام الجزائري، وعجزه عن التحول نحو دولة مؤسسات. لقد خسرت الجزائر كل شيء تقريبًا في معركتها ضد وحدة المغرب الترابية: المال، السمعة، الجوار، والاستقرار الداخلي.
أما المغرب، فقد كسب الرهان بالصبر والرؤية الاستراتيجية، متقدمًا بثبات نحو ترسيخ سيادته، وتكريس موقعه كقوة صاعدة في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.