الجزائر تتحرك لمغادرة اللائحة السوداء الأوروبية: تشريعات جديدة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
في خطوة تعكس إدراكاً رسمياً لحجم التحديات والتداعيات المرتبطة بإدراج الجزائر ضمن اللائحة السوداء الأوروبية المتعلقة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، عقد المجلس الحكومي الجزائري اجتماعاً خصص لدراسة ومناقشة مشروع قانون جديد يهدف إلى الوقاية من هذه الجرائم ومكافحتها. الاجتماع، الذي ترأسه الوزير الأول نذير العرباوي، يُعدّ مؤشراً واضحاً على رغبة الحكومة في تصحيح المسار، وتوجيه رسالة طمأنة للمؤسسات الدولية، مفادها أن الجزائر بصدد تسريع وتيرة الإصلاحات التشريعية والتنظيمية للامتثال للمعايير الدولية.
إصلاحات تشريعية في سياق ضغوط دولية
جاء التحرك الحكومي عقب إدراج الجزائر في القائمة السوداء من قبل مجموعة العمل المالي (FATF)، مما يعني تشديد الإجراءات الرقابية من قبل المؤسسات المالية الأوروبية على التعاملات ذات الصلة بالجزائر. ويبدو أن السلطات الجزائرية اختارت منهج المواجهة الإصلاحية، عبر تسريع إصدار تشريعات أكثر صرامة، تعزز الشفافية وتكافح مصادر تمويل الإرهاب.
بيان رئاسة الحكومة أكد أن مشروع القانون الجديد سيحال قريباً إلى مجلس الوزراء، تمهيداً لاعتماده في أقرب الآجال. وهو ما يعكس وعياً رسمياً بخطورة الوضع الحالي، والانعكاسات السلبية المحتملة على صورة البلاد الاقتصادية والمالية، خصوصاً لدى الشركاء الدوليين والمستثمرين.
اعتراف ضمني بالقصور وتفاعل سريع مع التصنيف
رغم محاولة بعض التقارير المحلية ربط القرار الأوروبي بأبعاد سياسية وخلافات قائمة مع فرنسا، فإن التفاعل السريع للسلطات الجزائرية مع التصنيف يُفهم على أنه اعتراف ضمني بوجود قصور في الإطار التشريعي السابق. ويذهب مراقبون إلى اعتبار هذا الحراك علامة إيجابية تعكس رغبة حقيقية في تجاوز الأزمة، وتفادي أي عزلة مالية أو اقتصادية محتملة.
جهود تنظيمية مستمرة واستجابة للتوصيات الدولية
العام الجاري شهد بالفعل سلسلة من الإصلاحات التنظيمية والقانونية، كان أبرزها تحديث الإطار القانوني المتعلق بمهن العقار، التوثيق، والمحضرين القضائيين، عبر اعتماد تدابير جديدة للعناية الواجبة، وتحديد هوية المستفيدين الحقيقيين من المعاملات، وتوسيع صلاحيات الرقابة والتفتيش. كما تم إطلاق برامج لتكوين الموثقين ومفتشي الرقابة بشكل دوري، مع اعتماد آليات لرصد النتائج واتخاذ إجراءات صارمة تجاه المخالفين.
قراءة سياسية للتصنيف ومخاوف من خلفيات غير تقنية
رغم الطابع التقني الظاهري للتصنيف الأوروبي، إلا أن أطرافاً جزائرية ألمحت إلى احتمال وجود اعتبارات سياسية، خصوصاً في ظل توتر العلاقات بين الجزائر وباريس. بعض المحللين أشاروا إلى ما اعتبروه “تسرعاً” في الانتقال من القائمة الرمادية إلى السوداء خلال فترة وجيزة، رغم ما وصفوه بـ”الجهود التشريعية والتنظيمية المحققة”. ومع ذلك، يبقى التحرك الحكومي الراهن دليلاً على أن الجزائر اختارت الاستجابة الفعلية بدل الاكتفاء بالتشكيك في دوافع القرار.
نحو إصلاحات هيكلية عميقة للقطاع المالي
الواقع الجديد يفرض على الحكومة الذهاب أبعد من مجرد التشريعات، نحو إصلاحات هيكلية تطال النظام المصرفي، وتعزيز الرقابة الداخلية، وتوسيع أدوات التدقيق والتقييم المالي. مراقبون يرون أن الطريق إلى الخروج من التصنيف السلبي يمر عبر تحديث شامل لمنظومة مكافحة الجرائم المالية، بما يشمل رقمنة العمليات المالية، تقوية خلية الاستعلام المالي، وتطوير منظومتي الضرائب والجمارك.
تحرك ضروري في وقت حرج
التحرك الحكومي لم يكن مجرد رد فعل سياسي، بل يشكل ضرورة استراتيجية في ظل الضغوط الدولية. فإدراج الجزائر في اللائحة السوداء قد يقيد قدرتها على النفاذ إلى الأسواق المالية العالمية، ويؤثر على ثقة المستثمرين، ويضعف صورتها في المحافل الدولية. غير أن التحدي الأهم اليوم، يكمن في ضمان تنفيذ الإصلاحات على أرض الواقع، وتحقيق نتائج ملموسة يمكن تقديمها لمجموعة العمل المالي والاتحاد الأوروبي، بما يمهد لمراجعة التصنيف واستعادة الثقة الدولية في النظام المالي الجزائري.