بعد الحرب… هل الجزائر هي التالية في “لائحة الانتظار الجيوسياسي”؟

بوشعيب البازي

الآن وقد هدأت طبول الحرب (مؤقتًا) في محور طهران ـ تل أبيب، وجفّت تغريدات البيت الأبيض، وخرجت واشنطن من غرفة الحرب لتدخل غرفة التخطيط لما بعدها، تتجه البوصلة الدولية نحو منطقة أخرى، تُعرف بالغاز والنفط والتصريحات الخشبية: مرحبًا بكم في الجزائر، الدولة التي ستحتل الشاشة العالمية التالية، لا بسبب اكتشاف علمي أو اختراع مذهل، بل لأنها صارت في نظر كثير من العواصم الغربية “مشروع أزمة قادمة لا محالة”، أو كما يسميها بعض المتابعين: “الدولة التي تؤجل الانفجار كل يوم ببلاغ رسمي من وكالة الأنباء.”

فبعدما فقدت إيران دورها المؤقت في موسم الحرب الأخير، تبحث القوى الكبرى الآن عن “الملف الساخن التالي”، وإذا سألتم رادارات السياسة عن وجهتها، فستشير كلها إلى الضفة الغربية من المغارب، حيث النظام الجزائري يجلس على برميل من الاحتقان الشعبي، ويغطيه بورق بلاغات السيادة ومهرجانات “الجزائر قوة ضاربة”.

المشهد الداخلي؟ كوكتيل قابل للاشتعال: بطالة مقنّعة، معيشة مرّة، طوابير تنتجها دولة نفطية، وشرعية سياسية قائمة على جمل محفوظة من سبعينيات القرن الماضي. أضف إلى ذلك طبقة حاكمة يبدو أنها ما زالت تعتقد أن “الفيسبوك مؤامرة فرنسية”، وأن “الجزائر في أمان طالما أن الشارع لا ينفجر”… لكن الشارع لم يعد يحتاج إلى الانفجار، لأن “الانهيار الهادئ” صار بديلًا أكثر واقعية.

علاقات الجزائر الإقليمية؟ تُشبه ذلك الجار الذي لا يحضر إلا ليشتكي من باقي الحي، المغرب؟ عدو وجودي. تونس؟ دولة مخدوعة. ليبيا؟ مهددة بالتطبيع. موريتانيا؟ لا يُعول عليها لأنها “تميل كثيرًا للمغرب”. الخليج؟ خائن. فرنسا؟ استعمار. أمريكا؟ استعمار آخر. إسرائيل؟ لا حاجة لتوضيح. النتيجة؟ الجزائر دولة بلا أصدقاء، تكتفي بإعادة تدوير الخصومات كما يعيد التلفزيون الرسمي بث خطابات بومدين بتقنية الـ4K.

أما النظام نفسه؟ فمشغول حتى النخاع بـ”ترتيب بيته الداخلي”، وكلما طالبه أحد بالإصلاح، ردّ عليه بمنطق: “لم نُولد أمس!”، في حين أن الشعب يقول: “ربما… لكنكم لم تتطوروا منذ ذلك الأمس أيضاً”. الأمن السياسي يعتمد على نظرية “نحن أو الفوضى”، رغم أن الفوضى بدأت تأخذ شكل تقنين يومي: تقنين للحرية، وتقنين للكهرباء، وتقنين حتى للأمل.

في هذا المناخ، تبدو الجزائر مرشحة مثالية لتصبح “ساحة الصراع التالية”، فكل العناصر موجودة: نظام مغلق، مجتمع ساخط، حدود متوترة، وعلاقات خارجية مبنية على مبدأ “المقاطعة قبل الحوار”. ومع فشل جميع محاولات “تحنيط” الوضع، لا يستبعد مراقبون أن يبدأ سيناريو التدخل الناعم، تمامًا كما بدأت الحكاية في سوريا وليبيا من قبل: تلميحات، ثم قرارات، ثم جلسات أممية، ثم… “حرب من أجل الديمقراطية”.

لكن مهلاً! قبل أن نتخيل المارينز على سواحل وهران، يجب أن نتذكر أن الجزائر نفسها بارعة في مقاومة أي تغيير… حتى ولو كان إيجابيًا. ففي دولة حيث “نظام الإنذار” أقوى من نظام الإصلاح، وحيث تُستخدم “القضية الصحراوية” كغطاء لكل فشل داخلي، فإن سقوط النظام لن يكون سهلاً… لكنه أيضًا لم يعد مستحيلًا.

في النهاية، الجزائر لا تحتاج إلى حرب لتنهار، يكفيها هذا القدر من الجمود، والتوتر، والعزلة. أما العالم، فيراقب من بعيد، بعيون مفتوحة، وقائمة أولويات مكتوبة، وملفات تنتظر دورها. وها هي الجزائر الآن… في أعلى الصفحة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: