في وقت تتساقط فيه القنابل على رؤوس الأبرياء في غزة وتدور اجتماعات مغلقة بين واشنطن وتل أبيب لتحديد مستقبل الشرق الأوسط، يجلس المواطن العربي يتابع بشغف فيديو مسرّب لنائب يتذمر من سعر الموز في كافتيريا البرلمان، بينما تحتل “قضية فستان فنانة في مهرجان مغمور” واجهات المواقع الإخبارية كما لو كانت أزمة دولية، في هذا العالم العجيب تُستبدل النقاشات السياسية العميقة بتحليلات فقهية حول “شرعية الابتسامة في نشرات الأخبار”، وتُستبدل التقارير الاقتصادية بأقوال مجهولة المصدر عن مؤامرة كونية تستهدف زيت الزيتون المغربي، يتحدث الجميع عن السيادة والوطنية ثم يهرولون إلى السفارات الأجنبية طلباً لمنحة أو فيزا، نعيش زمناً تُصنَّف فيه التدوينات التافهة كـ”مواقف سياسية” وتتحوّل التفاهة إلى رأي عام، بينما تختنق الشعوب تحت وطأة الأسعار، والغلاء، وانهيار الخدمات، لا أحد يسأل عن التعليم أو الصحة أو الفساد الإداري، بل يهم الجميع من زار من، ومن صافح من، ومن خلع ربطة عنقه أولاً، أما الحكومات فهي مشغولة بإطلاق تطبيقات رقمية تطلب منك صورة للبطاقة الوطنية وشهادة الفقر بصيغة PDF، ثم تُخبرك بعد شهرين أن “الطلب مرفوض دون تعليل”، في خضم كل هذا العبث، يصرّ بعض المعلقين على أن “الدولة العميقة” تدير كل شيء، حتى أسعار البقدونس في السوق، أما صندوق النقد الدولي، فيواصل تقديم وصفاته القاتلة بابتسامة، طالباً من الشعوب مزيداً من الصبر، ومزيداً من التقشف، ومزيداً من الحياة تحت خط الحياة، نعيش زمناً تُمارس فيه النخبة السياسية المعارضة من مقاهي الدار البيضاء إلى صالونات باريس، وتُدار فيه الأزمات بالكاميرا أكثر من القانون، وتُحل فيه الكوارث بشعار “غداً سيكون أفضل”، لكن الغد لا يأتي أبداً، في ظل كل هذا، ما زال المواطن يبحث عن الأمل في حفلة موسيقية أو حلقة جديدة من بودكاست، علّه ينسى أنه أصبح جزءاً من مسرح عبثي طويل لا يعرف أحد متى تنطفئ أنواره، ولا من يكتب السيناريو.