عبد الإله بنكيران… حين يتحوّل رئيس الحكومة السابق إلى “كوميك مغربي دائم البث”

في زمن يُفترض فيه أن يكون للسكوت حكمة، اختار عبد الإله بنكيران أن يجعل من الضجيج مهنة، ومن الشعبوية مشروعاً سياسياً، ومن الخرجات الصوتية هواية وطنية دائمة. الرجل لا يفرق بين حيّ وميت، بين صحفي وطني أو مواطن بسيط، الكل في مرمى نيرانه الخطابية التي لا تنتهي… إلا لتبدأ من جديد!

بنكيران… الرجل الذي يطلق النار على كل شيء يتحرك

عندما يتكلم بنكيران، لا أحد ينجو. الصحفيون؟ كلاب حراسة مشبوهة في عرفه. الوطنيون؟ مجرد ممثلين في مسرحية تآمرية. الشباب المغربي؟ “مساخيط الوالدين”، والنساء المستقلات؟ “فتنة تمشي على قدمين”. بل حتى زملاؤه في الحزب نالوا نصيبهم من كراهيته الموسمية.

بنكيران لا يطلق تصريحات، بل “يقصف” كما تقول الصحافة بلغة الحرب. الرجل يستعمل لسانه كرشاش صوتي، ومخزونه الفكري كقنابل دخانية، فلا يعرف المرء هل يضحك من كاريزماه ، أم يبكي على الحالة السياسية التي أوصلتنا إلى هذا الكائن التلفزي.

يا حسرة على رئيس الحكومة!

فلنتذكر، للحظة فقط، أن هذا الشخص تولّى منصب رئيس الحكومة. ويا ليتنا لم نتذكر. فخلال ولايته، شهدنا ما يشبه مهرجاناً للفشل المُمنهج:

  • تعويم الدرهم بلا استراتيجية حقيقية،
  • تقاعد الوزراء المذهّب،
  • ضرب القدرة الشرائية للمواطنين البسطاء،
  • تمرير قوانين استراتيجية في جنح الليل،
  • ثم رفع الدعم عن المحروقات وكأن المغاربة يعيشون في موناكو!

ولما خرج من الباب الحكومي، عاد من النافذة الحزبية، ثم جلس في صالونه يُلقي خطبًا من تحت السقف الذي لم يسقط عليه للأسف بعد.

الغريب، والمثير للغثيان، أن بنكيران ــ الذي لطالما قدم نفسه كالرجل الزاهد في متاع الدنيا ــ ما زال إلى اليوم يستفيد من “هبة ملكية” سمينة، تُصرف له شهريًا بانتظام، وهو الذي كان يتغنى بـ”الاستقامة” و”محاربة الريع”. بالله عليكم، كيف يمكن لرجل كان يبكي أمام الكاميرا دفاعًا عن تقشف الدولة أن ينام في سكن يمنحه إياه الدولة نفسها؟ هل نسينا أم نتناسى أن الرجل طالب معاشًا استثنائيًا لأن معاشه العادي لم يكن يكفيه لشراء “الخضرة والدجاج”؟!

من المفارقات الساخرة أن بنكيران يهاجم الدولة العميقة، ويتغذى من نفس ثديها.

بنكيرانستان: الجمهورية الساخرة

إن من يراقب عبد الإله بنكيران في خرجاته الأخيرة، يشعر كأنه يشاهد عرض “ستاند آب” لا مؤتمرًا سياسياً. الرجل يتفنن في جلد خصومه بطريقة “شرع اليد”، يوزع الأحكام الأخلاقية كما توزع النقابات الشعارات، ويُمارس المعارضة من فوق الأريكة، وهو يحتسي شاي النعناع ويعدّ على أصابعه “ضحاياه الجدد”.

وكمثال حي: قبل أيام صبّ جام غضبه على فنانين مغاربة، ثم قفز إلى مهاجمة الصحافة الوطنية، ثم انتقل إلى مهاجمة نساء الحزب، ثم عرّج على مهاجمة شخصيات لا علاقة لها لا بالسياسة ولا بالإعلام… فقط لأنهم يعيشون، وهذا في حد ذاته يستفزه.

هل آن الأوان لإطفاء الميكروفون؟

مشكلة بنكيران ليست فقط في فجاجة خطابه، بل في شعوره العميق بأنه ما يزال يمتلك “الشرعية الشعبية”، رغم أن الانتخابات لفظته، والتاريخ بدأ ينساه، لولا هذه “الفقرة الكوميدية” التي يقدّمها لنا كل أسبوع على شكل ندوة أو تسجيل صوتي.

فإلى متى سنظل نمنحه هذا المنبر المجاني؟ وإلى متى سيبقى المغاربة حبيسي هذا المسرح السياسي الرديء؟

عبد الإله بنكيران، الرجل الذي عاش بطلاً في أوهامه، وسيُنهي مسيرته كمجرد “يوتيوبر سياسي” يفتقر إلى الضبط ورباطة الجأش. لا هو بملك في حزب العدالة والتنمية، ولا هو برمز معارض حقيقي. هو فقط… بنكيران، كما عودنا دائمًا: كثير الكلام، قليل الفعل، كثير السخرية، عديم الجدوى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: