“العدالة ترتدي قناعاً: نائب وكيل الملك… من منصة الاتهام إلى قفص الاتهام”

بوشعيب البازي

في بلادٍ اعتاد فيها المواطن أن يلمس يد العدالة وهي تلوّح له من بعيد، جاءنا الخبر من الرباط، لا من باب قاعة المحكمة، بل من دهاليزها المعتمة: نائب الوكيل العام للملك بفاس، ذاك الذي كان يرسم مصير الناس بأحكامه، وجد نفسه مثلهم، إن لم نقل أسوأ حالاً، أمام الوكيل العام بالرباط. ليس بصفته المدعي، بل كمتهم يُتهم بالتخابر، وتوزيع المعطيات الحساسة، وأشياء أخرى لا تُقال في قاعات الانتظار.

ففي مشهد يبدو أقرب إلى مسلسل تركي من محاكمة مغربية، مثل نائب الوكيل أمام زميله الوكيل، في إطار ما يسمى بالامتياز القضائي، الذي يفترض أن يحمي استقلال القضاة، لا أن يغطي فضائحهم. لكن هذه المرة، يبدو أن الحصانة انزلقت مثل عباءة على كتف سكير، بعد أن كشفت الخبرة التقنية أن سيادته كان يراسل موقعاً إلكترونياً بإيطاليا، يمتهن التشهير والابتزاز، وكأنه مراسل قضائي يعمل بدوام جزئي في عصابة إعلامية.

وحسب ما أكدته مصادر مطلعة (وغالباً متوترة)، فإن المتهم، الذي يفترض به أن يكون حامي الحريات والحقوق، كان يُزود مالك الموقع المعتقل حالياً في سجن إيطالي، بمعلومات دقيقة عن مسؤولين قضائيين وأمنيين في المغرب، لاستعمالها كسلاح تشهيري يلوّح به كلما احتاج لـ”تحسين مداخيله”.

لكن الحدث لم يتوقف عند حدود التخابر، بل انزلق إلى ما هو أكثر فجاجة. فيديو صُور له في “جلسة حميمية” وهو يعترف – بلسانه لا بقلمه – بتلقي رشاوى، بل وذكر أسماء قضاة آخرين تورطوا مثله في حمّى الفساد. الفيديو، الذي يبدو أنه التُقط خلسة على طريقة أفلام التجسس الرديئة، قدمه شخص يقولون إنه كان صديقه، شريك سهراته ومغامراته الليلية، قبل أن يتحول إلى شاهد ملك.

نعم، نائب وكيل الملك كان يسهر، لا لكتابة مذكرات قانونية، بل في ملاهٍ تملأ الكؤوس وتفرغ الضمائر، في علاقة وثيقة برجل يملك حانات وصيتاً واسعاً في عالم الليل. وحين توترت العلاقة، قرر الصديق الحانّ أن يرد الدين بتسجيل فيديو يُسقط فيه صديقه القاضي أرضاً، لا بالحجة، بل باعتراف سكران.

ولأننا في زمن صار فيه “الوطنية” تقاس بعدد التسريبات لا بعدد القضايا التي تُفصل، جاءت التقنية لتقول كلمتها: خط اليد على الرسائل المجهولة المرسلة لصاحب الموقع الإيطالي هو خط يد نائب الوكيل نفسه، فهل نضيف إلى قائمة التهم “الغباء الإجرائي”؟

كلمة أخيرة (قبل أن تُغلق الجلسة)

ما حدث ليس مجرد سقوط فردي، بل سقوط مؤسساتي. فحين يتحول المدعي إلى متهم، والحصانة إلى درع فساد، والتواصل المهني إلى تخابر، فنحن لسنا أمام حادثة، بل أمام أزمة أخلاقية تهز هيبة العدالة المغربية.

ويبقى السؤال معلّقاً في الهواء، كما تُعلّق ملفات الفساد: كم من نائب وكيل آخر ما زال يكتب رسائل بخط يده… لكن إلى جهات أخرى؟

“من أراد أن يكون فوق القانون، فليستعد أن يكون تحته.”

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: