المغرب يعزز آليات الشفافية والرقابة في إسناد سندات الطلب العمومية

بوشعيب البازي

في خطوة جديدة نحو ترسيخ مبادئ الشفافية وحماية المال العام، أعلنت الحكومة المغربية عن مسار إصلاحي يهدف إلى تقنين وتطوير آليات إسناد “سندات الطلب”، التي تُعد إحدى أدوات تنفيذ النفقات العمومية خارج مساطر الصفقات الكلاسيكية. ويمثل هذا التوجه جزءاً من جهود أوسع تبذلها المملكة لتعزيز الحكامة ومحاربة الفساد في تدبير المال العام.

وأكد الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، خلال جلسة برلمانية، أن الحكومة تسعى إلى تطبيق مزيد من القواعد المعمول بها في الصفقات العمومية على سندات الطلب، بما يضمن احترام مبدأ المنافسة النزيهة والمساواة في الولوج إلى الطلبيات العمومية.

نحو إصلاح جذري لمنظومة سندات الطلب

وأوضح لقجع أن هذا التوجه الإصلاحي يندرج في إطار رؤية شاملة لتحسين نجاعة الإنفاق العمومي، من خلال توسيع دائرة المراقبة والشفافية، وإخضاع سندات الطلب لمعايير واضحة تتماشى مع الضوابط القانونية والتنظيمية المعمول بها في الصفقات العمومية.

وتعد سندات الطلب وسيلة لتسهيل إنجاز خدمات أو أشغال أو اقتناء معدات بكلفة محدودة، دون الحاجة إلى المرور بكامل إجراءات الصفقات العمومية، إلا أنها تخضع بدورها للمبادئ العامة المتعلقة بالشفافية والإنصاف.

تقارير تكشف اختلالات واستغلال للثغرات

وقد رصدت تقارير صادرة عن الخزينة العامة والجماعات الترابية اختلالات خطيرة في تدبير سندات الطلب، شملت صرف نفقات دون مقابل فعلي، واستعمال هذه الآلية للالتفاف على المساطر القانونية، ما أفضى إلى احتكار شركات بعينها لمشاريع بطرق مشبوهة.

إصلاحات لتعزيز الشفافية والتنافسية

تتضمن الإصلاحات الجديدة مجموعة من التدابير الهادفة إلى ضمان منافسة مسبقة في إسناد سندات الطلب، إلا في حالات استثنائية، فضلاً عن إلزامية تحديد المواصفات بدقة ضمن دفاتر التحملات.

ومن أبرز المستجدات، رقمنة مساطر الشراء عبر سندات الطلب، من خلال نشر إعلانات على بوابة الصفقات العمومية، ما يتيح للشركات الوطنية، بما فيها الناشئة، التقدم بعروضها في إطار من الشفافية وتكافؤ الفرص.

وشدد لقجع على ضرورة نشر لائحة سنوية توضح طبيعة الأعمال المنجزة وعدد ومبالغ سندات الطلب المبرمة خلال السنة المالية، في إطار تعزيز الرقابة المجتمعية على الإنفاق العمومي.

دعم الابتكار والتصنيع المحلي

كما تم إدماج مفهوم “الخدمات المبتكرة” ضمن المقتضيات التنظيمية، بهدف تشجيع مشاريع البحث والتطوير، وفتح المجال أمام المقاولات الرقمية والتكنولوجية، مما يساهم في تسريع التحول الرقمي وتنفيذ برامج الاقتصاد الجديد.

وفي سياق موازٍ، وسّعت الحكومة آلية “التعويض الصناعي” لتشمل قطاعات حيوية مثل الدفاع والطاقة والتكنولوجيا المتقدمة، مع إدراج شروط جديدة تتيح تحقيق القيمة المضافة عبر نقل التكنولوجيا، التكوين، والتصنيع المحلي، دون تحميل صاحب المشروع التزامات مالية إضافية.

التزامات صارمة وعقوبات على المخالفين

ولضمان التطبيق الصارم للمقتضيات الجديدة، سيتم التنصيص على ضرورة الإدلاء بالتراخيص المطلوبة لمزاولة الأنشطة المرتبطة بسندات الطلب، إلى جانب إمكانية فرض عقوبات على المتعاقدين المخلين بالتزاماتهم، على غرار ما هو معمول به في الصفقات العمومية.

نحو مرحلة جديدة من الحوكمة العمومية

ويُرتقب أن تسهم هذه الإصلاحات، في حال تنفيذها الفعلي والفعال، في الحد من مظاهر الريع والفساد، وتحسين مناخ الأعمال، وجعل الطلبيات العمومية أداة حقيقية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يتماشى مع أهداف النموذج التنموي الجديد للمملكة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: