تسارع وتيرة الدعم الفرنسي لمغربية الصحراء يؤسس لتحول إستراتيجي في علاقات باريس بالمنطقة

بوشعيب البازي

تتوالى التصريحات الرسمية الصادرة عن أعلى المؤسسات الفرنسية دعماً لمغربية الصحراء، في سياق يؤشر على تحوّل إستراتيجي واضح في موقف باريس من هذا الملف الشائك. فبعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعم مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحته الرباط كحل وحيد واقعي ودائم، جاء تأكيد مجلس الشيوخ الفرنسي لهذا التوجه، باعتبار الحكم الذاتي السبيل الأنجع لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

وفي بيان قوي، جددت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة بمجلس الشيوخ الفرنسي دعمها الثابت لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ورفضها للانجرار خلف الاستفزازات المتكررة، في إشارة واضحة إلى التوترات الناتجة عن الموقف الجزائري المعارض للدعم الفرنسي لمبادرة الحكم الذاتي.

وأكد كريستيان كامبون، المبعوث الخاص لرئيس مجلس الشيوخ الفرنسي للعلاقات الدولية، في تصريح صحافي عقب اجتماع وفد برلماني فرنسي مع وزير الخارجية المغربي، أن “فرنسا تلتزم خطاب السلام، وترى في مبادرة الحكم الذاتي إطاراً واقعياً وواعداً لتسوية النزاع.” وشدد كامبون على أن الاعتراف بسيادة المغرب لم يعد موقفًا شخصيًا أو فئويًا، بل يعكس التوجه الرسمي للدولة الفرنسية.

وتأتي هذه المواقف الرسمية في وقت تشهد فيه العلاقات الفرنسية الجزائرية توتراً غير مسبوق، تجلّى في بيان شديد اللهجة أصدرته الخارجية الجزائرية، أعربت فيه عن “استنكارها الشديد ورفضها القاطع” للموقف الفرنسي، محمّلة باريس كامل المسؤولية عن ما وصفتها بـ”التبعات السياسية والقانونية” لهذا القرار.

ورغم هذا التوتر، تواصل فرنسا ترجمة موقفها إلى خطوات عملية، تمثلت في زيارة وفد برلماني رفيع المستوى إلى مدينة العيون، حيث اطلع المسؤولون الفرنسيون على المشاريع التنموية بالأقاليم الجنوبية، مؤكدين أن هذه الزيارة تندرج ضمن مسار جديد لتعزيز الشراكة الإستراتيجية مع المغرب. وأكد المسؤولون نية باريس افتتاح تمثيلية قنصلية قريبة في العيون، في خطوة تحمل بعدًا دبلوماسيًا وتنمويًا يعكس التزامًا فرنسيًا واضحًا تجاه دعم الاستقرار في المنطقة.

وكان الرئيس ماكرون قد بعث برسالة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، أعلن فيها أن “فرنسا تعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء المغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية،” مشددًا على أن بلاده ستتحرك على المستويين الوطني والدولي انسجامًا مع هذا الموقف.

ويؤشر هذا الدعم الفرنسي المتنامي إلى مرحلة جديدة من التموقع الجيوسياسي في المنطقة، خصوصًا مع مشاركة فرنسا النشطة في المبادرات المغربية، وعلى رأسها “مبادرة الأطلسي”، التي تهدف إلى خلق شراكة إقليمية متكاملة تنطلق من الصحراء المغربية نحو إفريقيا.

ويُنظر إلى هذا التحوّل الفرنسي على أنه رسالة واضحة لباقي الشركاء الدوليين، بضرورة الانخراط في دعم الحل السياسي الذي تقترحه الرباط، باعتباره أكثر واقعية وملاءمة للتحديات الأمنية والتنموية التي تعرفها المنطقة.

وفي وقت تواصل فيه الجزائر دعمها لجبهة البوليساريو وموقفها الرافض للحكم الذاتي، فإن الخطاب الفرنسي بات أكثر وضوحاً في الموازنة بين دعم المغرب ودعوة الجارين إلى المصالحة والتكامل، انطلاقاً من رؤية تؤمن بأن تفاهم الرباط والجزائر سيكون مفتاح استقرار شمال إفريقيا.


اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: