نساء خلف القضبان… حين تمتد دبلوماسية المغرب إلى داخل الزنازين
بروكسيل – من بوشعيب البازي
بين جدران سجون السعودية، تقبع أكثر من مائة وعشرين امرأة مغربية، في ظروف إنسانية وقانونية معقدة، تراوح بين قسوة العقوبة وحدود الغربة. لا يتعلق الأمر فقط بملف قانوني صرف، بل بقضية إنسانية باتت تحظى باهتمام أعلى سلطة عدلية في المملكة المغربية.
وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، اختار أن يطرق أبواب الدبلوماسية القضائية، في محاولة لإعادة هؤلاء النسوة إلى أرض الوطن، لعلّ في ذلك ما يعيد لهن بعضاً من الكرامة، ولعائلاتهن جزءاً من الأمل.
ترحيل بطابع إنساني
في عرض قدمه أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، كشف الوزير وهبي عن مفاوضات جارية مع السلطات السعودية بشأن إمكانية ترحيل السجينات المغربيات إلى بلدهن، لقضاء ما تبقى من عقوباتهن في سجون مغربية.
وأشار الوزير إلى أن الجانب السعودي أبدى “انفتاحاً مبدئياً” على هذا الطلب، على أن تتواصل المباحثات بعد عيد الأضحى.
المعطيات تشير إلى أن أغلب هؤلاء النساء تتراوح أعمارهن بين الخمسين والثامنة والخمسين، ومن بينهن من تعاني أمراضًا مزمنة كالسرطان، ما يجعل وضعهن أكثر هشاشة. التهم الموجهة إليهن تتنوع بين جرائم أخلاقية ومخالفات ذات طابع جنائي، كالنصب واستهلاك المخدرات ونقل الكحول، وهي جرائم تُواجه بتشدد كبير داخل المنظومة القضائية السعودية.
دبلوماسية العدالة بدل الاكتفاء بالإدانة
يعكس تحرك وزارة العدل مقاربة مغربية جديدة في التعاطي مع ملفات مواطنيها المعتقلين بالخارج. فبدل التنديد أو ترك القضايا بيد البعثات القنصلية، اختارت الرباط، هذه المرة، أن تدخل على الخط عبر آلية سياسية وقانونية مزدوجة: اتفاقيات لتبادل السجناء، وتفاوض مباشر على الحالات الخاصة.
الوزير وهبي أشار إلى أن ثلاث مغربيات تم بالفعل ترحيلهن قبل العيد، بينما ينتظر البت في باقي الملفات في جولة جديدة من المفاوضات المرتقبة بعد العيد، موضحًا أنه مستعد لتوقيع اتفاقيات تبادل السجناء مع أي دولة تبدي استعدادها لذلك، شريطة احترام السيادة القضائية للطرفين.
من نيس إلى الرقة… وجعٌ واحد
ورغم أن التركيز منصب اليوم على ملف السعودية، إلا أن جروحًا أخرى لا تزال مفتوحة في سوريا والعراق، حيث يقبع عشرات المعتقلين المغاربة، رجالًا ونساءً وأطفالًا، في سجون أو مخيمات احتجاز، بعد أن انخرطوا أو تم استدراجهم في بؤر التوتر خلال سنوات الحرب.
بحسب معطيات رسمية، فإن عدد المغاربة الذين التحقوا بالتنظيمات المتطرفة في الشرق الأوسط تجاوز 1600 شخص، من بينهم 226 امرأة و329 طفلًا. معظمهم انتهى بهم المطاف في قبضة التحالف الدولي أو المليشيات المحلية، بينما يواجهون مصيرًا غامضًا في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وغياب قنوات قانونية واضحة لترحيلهم.
تنسيقيات عائلات هؤلاء المعتقلين تطالب الحكومة المغربية، منذ سنوات، بالتدخل لإعادتهم، خاصة الأطفال الذين يوجد بعضهم في أوضاع صحية ونفسية صعبة، محرومين من أي إطار قانوني يضمن كرامتهم وحقوقهم الأساسية.
ذاكرة برلمانية… ووعد قديم
المفارقة أن الوزير وهبي، نفسه، كان على تماس مباشر مع هذا الملف قبل أن يعتلي المنصب الحكومي، إذ سبق له أن ترأس مهمة استطلاعية برلمانية إلى العراق وسوريا، عندما كان نائبًا برلمانيًا عن المعارضة، وأعد تقريرًا مفصلًا حول أوضاع النساء والأطفال المغاربة في مناطق النزاع.
يبدو إذن أن ما بدأه عبد اللطيف وهبي كمحامٍ وبرلماني، يحاول أن يستكمله اليوم كوزير، لكن الفارق هذه المرة أن الزمن السياسي لم يعد يتسع للتقارير وحدها، بل يتطلب اتفاقيات، وضغطًا دبلوماسيًا، وإرادة مؤسساتية مستدامة.
من العدالة إلى المصالحة
ملف المعتقلات المغربيات في الخارج هو اختبار حقيقي لقدرة المملكة على الجمع بين احترام القانون والدفاع عن كرامة مواطنيها، بين صرامة المؤسسات وسيولة المعايير الإنسانية.
فأن تعود امرأة إلى وطنها لقضاء عقوبة طويلة قرب أطفالها، لا يعني إعفاءها من العدالة، بل قد يكون بداية لمصالحة مع الذات، وفرصة لإعادة البناء داخل محيط أكثر رحمة.
وفي النهاية، قد تكون السجون – حين تُدار بإنصاف – أداة تأديب، لكن لا ينبغي لها أن تتحول إلى مقبرة للحقوق.