الجيش الموريتاني يجهض هجومًا صاروخيًا للبوليساريو ويؤكد تموقعه إلى جانب الاستقرار الإقليمي
في تطور ميداني لافت يحمل دلالات جيوسياسية عميقة، وجّه الجيش الموريتاني صفعة قوية لجبهة البوليساريو، بعد أن أحبط مخططًا عدوانيًا كان يستهدف أراضي مغربية انطلاقًا من نقطة حدودية مهجورة تقع على تخوم التراب الجزائري. العملية، التي توصف بكونها نوعية وغير مسبوقة في هذا السياق، أسفرت عن مصادرة ترسانة تضم نحو 50 صاروخًا من طراز “غراد” متوسط المدى، كانت مخبأة بعناية في منطقة تابعة لما يُعرف بـ”الناحية العسكرية الثالثة” التابعة للجبهة الانفصالية.
ووفق مصادر مطلعة، فإن هذه الترسانة كانت معدة لتنفيذ هجوم مباغت ضد أهداف داخل المملكة المغربية، في وقت تشهد فيه المنطقة تصاعدًا في التوترات الأمنية المرتبطة بنشاطات الجماعات المسلحة والانفصالية. ردّ نواكشوط كان واضحًا وقاطعًا: لا تهاون مع أي محاولة لتحويل الأراضي الموريتانية إلى منصة اعتداء على دول الجوار، وفي مقدمتها المغرب.
نواكشوط ترسم خطًا أحمر
القرار الصارم من المؤسسة العسكرية الموريتانية، والذي عززته تعليمات عليا بعدم تسليم الأسلحة المحجوزة للجبهة الانفصالية، يعكس تحولًا جذريًا في مقاربة نواكشوط للملف الصحراوي. موريتانيا، التي لطالما تبنّت موقف الحياد الحذر، تبدو اليوم أقرب إلى محور الاستقرار الإقليمي، مدركة أن الرهان على أطروحات الانفصال لم يعد إلا وصفة للفوضى الدائمة في منطقة الساحل والصحراء.
وبحسب مراقبين، فإن هذا التحول لا يمكن فصله عن سياق إقليمي ودولي أوسع، يتسم بتراجع الدعم السياسي والدبلوماسي الذي كانت تحظى به جبهة البوليساريو، في مقابل الزخم المتصاعد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تعتبرها قوى دولية كبرى، على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، مقاربة واقعية وعملية لإنهاء نزاع طال أمده.
نهاية مرحلة.. وبداية تصدّع
تأتي هذه الحادثة بعد سلسلة من المؤشرات التي تؤكد أن البوليساريو باتت تواجه حالة انكشاف ميداني وانهيار تدريجي في شرعيتها الإقليمية، حتى بين من كانت تعتبرهم داعمين تقليديين. فمحاولة استغلال الأراضي الموريتانية لشن هجمات ضد المغرب لم تمر دون تداعيات، إذ اعتبرها الجيش الموريتاني تهديدًا مباشرًا لأمنه القومي، ولعلاقاته المتزنة مع الرباط.
وبالنسبة للعديد من المراقبين، فإن هذه الواقعة تمثل نقطة تحول حاسمة في مسار التعاطي الإقليمي مع البوليساريو. “إنها لم تعد مجرد فصيل انفصالي يُروّج لأطروحات بالية، بل أصبحت مصدر تهديد حتى لحلفائها السابقين”، يقول أحد الباحثين المتخصصين في الشأن المغاربي.
المغرب يجني ثمار دبلوماسيته الهادئة
في مقابل الانكشاف المتزايد للجبهة، يواصل المغرب جني ثمار سياسة خارجية قائمة على الواقعية والاحترام المتبادل، سواء من خلال تعزيز علاقاته الثنائية في إفريقيا والساحل، أو عبر ترسيخ حضوره في المنظمات الإقليمية والدولية. التحركات العسكرية الأخيرة لموريتانيا، وإن لم تُعلن رسميًا كدعم مباشر للمملكة، فإنها تنسجم مع هذا التوجه العام الذي يُعلي من شأن الأمن الجماعي ورفض منطق التجزئة.
ومن المنتظر أن تلقي هذه الواقعة بظلالها على مواقف عدد من الدول التي لا تزال مترددة في حسم موقفها من ملف الصحراء المغربية، في وقت تتعزز فيه قناعة الكثيرين بأن المبادرة المغربية هي الخيار الوحيد القابل للتنفيذ في منطقة تختنق بالاضطرابات والرهانات العابرة للحدود.