الاقتصاد الأزرق… رهان المغرب الاستراتيجي من أجل قارة بحرية ذات سيادة

مجدي فاطمة الزهراء

يعود المغرب ليؤكد، من جديد، ريادته الإفريقية في مجال التنمية المستدامة من خلال مشاركته البارزة في قمة “أفريقيا من أجل المحيط”، التي تنعقد في مدينة نيس الفرنسية من 9 إلى 13 يونيو الجاري، بشراكة مغربية-فرنسية، وتحت مظلة الأمم المتحدة.

هذه القمة ليست مجرّد تظاهرة دبلوماسية، بل محطة مفصلية في إعادة تشكيل الرؤية الإفريقية تجاه الموارد البحرية، باعتبارها أحد أعمدة المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للقارة.

رسالة ملكية برؤية استراتيجية

في رسالة وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين، وتلتها الأميرة للاحسناء، شدد العاهل المغربي على أن الاقتصاد الأزرق لم يعد ترفاً بيئياً، بل أصبح خيارًا استراتيجياً حتميًا. وقد حدّدت الرسالة ثلاثة محاور رئيسية لرؤية المغرب:

  1. نمو أزرق يقوم على الاستغلال المسؤول والمستدام للموارد البحرية.
  2. شراكات جنوب-جنوب معززة بتكامل إقليمي.
  3. نجاعة بحرية من خلال سياسات منسقة حول الفضاء الأطلسي.

واعتبر الملك أن قطاعات كزراعة الأحياء المائية، والطاقات المتجددة البحرية، والصناعات المرتبطة بالموانئ، والسياحة الساحلية، تشكل سلسلة متكاملة من الفرص الاقتصادية والاجتماعية، شريطة دعمها بالاستثمارات والمقاربات العلمية والحوكمة الجيدة.

موقع ريادي ومشاريع هيكلية

ما يميز المغرب في هذا السياق، ليس فقط الخطاب أو النوايا، بل تفعيل هذه الرؤية من خلال مشاريع ملموسة. فميناء طنجة المتوسط، الذي أصبح اليوم أكبر ميناء في البحر الأبيض المتوسط، يجسّد هذا التحول العميق في النموذج الاقتصادي المغربي.

وينضاف إليه مشروعا ميناء الناظور غرب المتوسط وميناء الداخلة الأطلسي، اللذان يهدفان إلى تكريس تموقع المغرب كمركز لوجستي إفريقي ودولي.

وفي هذا السياق، قدّم البنك الدولي تمويلاً بنحو 5 ملايين دولار لدعم تنفيذ مشروع “تسريع تنمية الاقتصاد الأزرق”، ما يعكس ثقة المؤسسات الدولية في جدية الرؤية المغربية.

بوشعيب البازي: الاقتصاد الأزرق أصبح اختيارًا وطنيًا لا رجعة فيه

يرى الكاتب الصحفي بوشعيب البازي أن الاقتصاد الأزرق “أصبح حاضرًا بقوة في حسابات صانعي القرار في المغرب، بوصفه ركيزة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأداة لإدماج الفئات الشابة من خلال فرص الشغل الجديدة التي يتيحها، خاصة في ورش الانتقال الطاقي”.

ويضيف أن المغرب يتحرك على جبهتين: الأولى تتعلق بتحقيق السيادة الغذائية من خلال تطوير الصيد البحري وتربية الأحياء المائية، والثانية ترتبط بالتحول نحو مصادر الطاقة المتجددة البحرية، مما يمنح المملكة موقعًا متقدمًا في سباق التكيف المناخي والاستقلال الطاقي.

تشير الأرقام إلى أن قطاع تربية الأحياء البحرية يشغّل نحو 97 ألف شخص، أي ما يعادل 84% من الأهداف الوطنية ضمن خطة “أليوتيس”، إلى جانب 108 آلاف صياد، مما يؤكد الأهمية الاجتماعية والاقتصادية للقطاع.

مقاربة إفريقية جديدة للمحيط

الرسالة الملكية وجّهت نداءً واضحًا نحو بناء مقاربة إفريقية موحّدة لإعادة الاعتبار للمجالات البحرية، خصوصًا الواجهة الأطلسية التي “لم تنل ما تستحقه من اهتمام”، رغم ما تزخر به من إمكانيات استراتيجية هائلة.

وأكد العاهل المغربي على ضرورة “تجميع الجهود القارية، من أجل تطوير سلاسل القيمة البحرية، وتأمين الممرات التجارية، وضمان نصيب أكثر عدلاً من الثروة البحرية العالمية لصالح القارة الإفريقية”.

من جهته، نوّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ”المبادرة الأطلسية” التي أطلقها المغرب لتمكين الدول الإفريقية غير الساحلية من الوصول إلى المحيط، معتبراً أن إطلاق أشغال ميناء الداخلة يمثل “نقطة تحول نحو مستقبل أطلسي جديد”، يجسد طموحاً مشتركاً لبناء قارة إفريقية منفتحة على البحار ومتصالحة مع محيطها الجغرافي.

اقتصاد المستقبل.. يبدأ من عمق البحار

تشير معطيات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) إلى أن الاقتصاد المحيطي شهد نمواً بمعدل 2.5 مرة ما بين عامي 1995 و2020، متجاوزًا معدل نمو الاقتصاد العالمي (1.9 مرة) في الفترة نفسها.

هذا النمو السريع يُبرز أهمية الاستثمار في الاقتصاد الأزرق بالنسبة لدول تملك واجهات بحرية واسعة مثل المغرب، الذي يشكّل موقعه الجغرافي بين الأطلسي والمتوسطي ميزة استراتيجية مضاعفة.

لكنّ هذا المستقبل يبقى مرهونًا بمدى قدرة دول القارة على بناء حكامة بحرية رشيدة، وتعاون إقليمي فعّال، وسياسات استثمارية مبتكرة، وهي رهانات يبدو أن المغرب استعدّ لها، ليس فقط بميناء، بل برؤية

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: