ترامب يعود إلى الحظر… والجالية العربية بين مطرقة الإرهاب وسندان الانتخابات
سومية العلكي
في مشهد يبدو مأخوذًا من أرشيف 2017، أطلّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجددًا على المسرح السياسي، لا بخطاب جديد، بل بنسخة معدّلة من قائمته السوداء، هذه المرة بألوان أكثر قتامة وعدد أكبر من الدول “غير المرغوب فيها”. اثنا عشر بلدًا، معظمها مسلم، بعضها لا يعرف حتى موقع البيت الأبيض على الخريطة، بات محظورًا على مواطنيه دخول “أرض الأحرار وموطن الشجعان”… والسبب؟ كليشيه قديم: “الإرهاب الأجنبي”.
أمريكا أولاً… والبقية في الطابور
ترامب، الذي يبدو أن حملته الانتخابية انطلقت مبكرًا على ظهر طائرة محملة بمخاوف مزمنة، قرر أن يفتح من جديد دفتر “أعداء الأمة”، بنفس الحبر الذي دوّن به من قبل أسماء مثل إيران، السودان، اليمن، الصومال، وليبيا. الجديد هذه المرة أن القائمة توسعت لتشمل دولًا لم ترتكب أي جريمة سوى أنها فقيرة، أو مسلمة، أو لم توقع صفقة أسلحة كافية.
الغريب أن مصر، التي صادف أن وقع بها حادث استخدمه ترامب كدليل داعم للقرار، لم تكن على القائمة. ليس لأنها أفضل حالًا، بل لأن السياسة، كما يعرف الجميع، لا تتبع منطق الأمن، بل منطق “من يدفع أكثر، يُعفَ من الحظر”.
تشاد ترد: لا طائرات، لكن كرامة
في رد غير متوقع، خرج الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي بتصريح ناري على فيسبوك قال فيه: “تشاد ليست لديها طائرات لتقدمها، ولا مليارات الدولارات، لكنها تملك الكرامة والكبرياء.” تصريح يصلح لأن يُطبع على قميص ثوري، لكنه يكشف أيضًا عن فهم عميق لفلسفة العقوبات الأميركية ، لا عقوبات على من يشتري، فقط على من يعارض أو يعجز عن الدفع.
الجالية العربية: الحظر يتكرّر، والصدمة لا تتجدد
على أرض الواقع، القرار ليس مجرد ورقة سياسية، بل كابوس يتكرّر بصيغ مختلفة لأفراد الجالية العربية. البعض رأى في القرار صفعة مزدوجة ، واحدة للهوية، وأخرى للعائلة التي لن تتمكن من زيارتهم. مناشدات، مرافعات، تغريدات غاضبة… كلها لا تغير من واقع أن العربي بات مشكوكًا في أمره حتى إشعار انتخابي آخر.
في كولورادو، استخدم ترامب حادثة شبان عرب كوقود لقراره، لكن لم يسأل أحد ، هل حادث واحد يكفي لإدانة 400 مليون؟ ولو كانت الموازين متساوية، هل يُمنع الأميركيون من السفر بسبب كل عملية إطلاق نار جماعية يرتكبها مواطن أبيض؟ الجواب في واشنطن ، لا تسأل كثيرًا.
من الاندماج إلى الانكماش
الجالية العربية، التي لطالما تغنت بها الشعارات الأميركية كجسر ثقافي واقتصادي، تجد نفسها اليوم معزولة داخل الدولة التي حلمت بها. جامعيون ممنوعون من زيارة أهلهم، طلاب محرومون من فرص التعليم، وأمهات ينتظرن على الخط الساخن بلا تأشيرة ولا طمأنينة.
الأخطر من ذلك، هو التأثير النفسي المتراكم ، “أنت لا تنتمي، أنت موضع شك، أنت عبء محتمل.” هذه الرسائل، وإن لم تُكتب في القرار الرئاسي، تقرأها الأجيال الجديدة في كل مطار وكل مركز حدودي.
لماذا يفعلها ترامب؟
لأنها تنجح. الخطاب الأمني في أميركا مثل الوجبات السريعة: غير صحي، لكن شعبي. من السهل خلق عدو خارجي، وتعليق فشل السياسات الداخلية على “هجوم إرهابي محتمل”. وفي طريق العودة إلى البيت الأبيض، يبدو أن ترامب اختار أن يركب موجة الرهاب مجددًا، حتى لو كانت على حساب صور أطفال يمنيين لم يعرفوا يومًا طريقهم إلى نيويورك.
الحظر لا يحمي، بل يعزل
قد يعتقد ترامب أن الحظر يُرضي قاعدته، ويمنح أميركا شعورًا زائفًا بالأمان، لكنه في الحقيقة يقوّض قيمًا ادعت الولايات المتحدة يوماً أنها تمثلها. الجالية العربية ليست “ثغرة أمنية”، بل جزء من النسيج الأميركي، ومن العبث استهدافها بسياسات عنصرية مقنّعة بلغة القانون.
وإذا كان الرئيس الأميركي يرى في السفر تهديدًا، فليتذكر أن أغلب من حملوا أميركا على أكتافهم عبر التاريخ كانوا مهاجرين… بعضهم جاء من بلاد مدرجة الآن في قائمته الجديدة.