مخيمات الخطر الصامت: أوروبا تستفيق على تهديدات تندوف

بوشعيب البازي

في وقت تتصاعد فيه التوترات في منطقة الساحل، أطلقت أجهزة الاستخبارات الغربية، وعلى رأسها الإسبانية، تحذيرات جدية بشأن خطر داهم لا ينبع من الكهوف أو الصحارى النائية، بل من مخيمات تندوف التي طالما قُدّمت باعتبارها فضاءً إنسانيًا للاجئين.

لكن خلف واجهات المعاناة، ينمو واقع مختلف تمامًا ، خزان بشري هش ومهمش، أصبح سهل الاستغلال من قبل تنظيمات جهادية تتسابق على تجنيد عناصرها من شباب المخيمات، مستفيدة من الفقر والبطالة وغياب الأفق.

عشر قيادات جهادية… من رحم تندوف

وفقًا لتقارير استخباراتية أوروبية متقاطعة، فإن عشرة من أبرز قادة تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، ينحدرون مباشرة من مخيمات تندوف الخاضعة لسيطرة جبهة البوليساريو، وبدعم مباشر من الجزائر.

هذه المعلومة التي نشرتها صحيفة لافانغوارديا الإسبانية، ليست تفصيلاً معزولًا، بل مؤشر استراتيجي على اختراق عميق ومتواصل للمخيمات من طرف الجماعات المتطرفة، بما يهدد ليس فقط أمن دول الساحل، بل كذلك الأمن القومي الأوروبي.

تندوف.. من فضاء إنساني إلى بؤرة تجنيد

التحول الجذري في طبيعة التهديد انطلق منذ سنوات، لكن تم تجاهله دوليًا لأسباب سياسية. واليوم، تؤكد الوقائع أن مخيمات تندوف تحوّلت تدريجيًا إلى بيئة حاضنة للتطرف، حيث تنتشر الدعوات السلفية، ويتكرر اختفاء الشباب، ثم يعود بعضهم للظهور على قوائم المطلوبين في مالي أو النيجر أو حتى ليبيا.

ولا تقف الخطورة عند حدود التجنيد، بل تتعداها إلى اكتساب قادة الجهاد في الساحل مهارات نادرة ، فهم يتقنون اللغة الإسبانية، وبعضهم عاش في إسبانيا خلال طفولته ضمن برنامج “عطلة في سلام”، ويعرف المجتمع الأوروبي عن قرب. وهو ما يجعلهم قادرين على اختراق المجتمعات الغربية بسهولة فائقة، وتنفيذ عمليات أو تحريض “الذئاب المنفردة” من الداخل.

صعود الجهاد عبر “بوابة تندوف”

اسم مثل “عدنان أبو الوليد الصحراوي” لم يعد مجهولًا لدى أجهزة الأمن. الرجل، الذي نشأ داخل مخيمات تندوف، تحول إلى رمز للعنف في الساحل بعد تأسيسه ما يُعرف بـ”تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”، قبل مقتله في عملية فرنسية عام 2021.

لكن الظاهرة لم تنته بموته. بل تؤكد المؤشرات أن ما بدأ كحالة فردية تطور إلى ظاهرة منظمة، خاصة في ظل الفراغ الأمني في دول الساحل، وغياب البدائل التربوية والاقتصادية داخل المخيمات.

أوروبا.. من الصمت إلى الصدمة

لوقت طويل، تعاملت العواصم الأوروبية مع قضية تندوف من زاوية إنسانية أو دبلوماسية، ورفضت الربط بين المخيمات والتطرف. لكن اليوم، ومع تزايد الهجمات الإرهابية في مالي وبوركينا فاسو، وانتقال بعض المخططين إلى مستويات متقدمة داخل التنظيمات، لم يعد بالإمكان غض الطرف.

بل إن مصادر أوروبية بدأت تلمح إلى ضرورة إعادة النظر في شرعية استمرار هذه المخيمات بصيغتها الحالية، ودراسة إمكانيات التدخل الإنساني والأمني المشترك لتفكيك شبكات الاستقطاب داخلها، بالتنسيق مع المغرب، الذي سبق أن نبه إلى خطورة الوضع وأطلق تحذيرات مبكرة بهذا الخصوص.

المغرب.. دعوات مبكرة للتحرك

من جانبه، ظل المغرب على مدى السنوات الأخيرة يُحذّر من تحول المخيمات إلى “نقطة سوداء” في خارطة الإرهاب بمنطقة الساحل، مؤكدًا أن ترك هذه البؤر دون رقابة سيؤدي إلى تهديد مباشر للضفة الشمالية من المتوسط.

ويستند المغرب في تحذيراته إلى معطيات ميدانية واستخباراتية، توفّرها أجهزته الأمنية ذات الكفاءة العالية، كما يستند إلى دوره الاستراتيجي في حماية الجناح الجنوبي لحلف الناتو، وإدارة تدفقات الهجرة التي باتت قنوات محتملة لاختراقات أمنية.

مخيمات في مرمى العاصفة

الوضع القائم في تندوف لم يعد يحتمل تسويفًا سياسيا. فالمعادلة صارت واضحة، السكوت عن مخيمات التجنيد يعني تصدير الخطر نحو أوروبا، سواء عبر الإرهاب أو عبر الهجرة غير النظامية.

وعليه، فإن التحرك الأوروبي العاجل بات ضرورة أمنية لا خيارًا دبلوماسيًا، إن كانت القارة العجوز ترغب في تجنب “الصدمة القادمة من الجنوب”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: