“حين قرر بعض الصحراويين أخيرًا أن يكسروا الصمت… والبوليزاريو تصر على سماع نفسها فقط!”
بوشعيب البازي
في مشهد أقرب إلى إفاقة متأخرة من حلم طويل ومربك، خرجت حركة صحراويون من أجل السلام من رحم صمت صحراوي مزمن، لتعلن – ويا للجرأة – أن الوقت قد حان لكي يتكلم الصحراويون… لكن دون انتظار إذن من البوليزاريو!
نعم، يبدو أن الحركة قررت أخيرًا أن تطلق نداءً للحوار الداخلي الشامل، بعد أن أصبح الواقع في تندوف أشبه بحلقة من مسلسل قديم يُعاد بثّه بلا نهاية، حيث البطولات الوهمية تُعلَن من خلف الستائر، والقرارات المصيرية تُطبخ في غرف مغلقة لا تعرف إلا صوتًا واحدًا، صوت القائد الملهم الذي نسي منذ زمن أن يسأل جمهوره ما إذا كانوا ما زالوا معه.
في رسالتها المفتوحة، لم تتردد الحركة في وصف قرار البوليزاريو بـ”إعادة إطلاق الحرب” سنة 2020 بأنه أشبه بمحاولة إطفاء النار بالبنزين، وهو قرار – كما جاء بعبارات أقل تهذيبًا – يعادل في نتائجه “هزيمة غير معلنة”، أو إن شئتم تعبيرًا أدق، لعبة شطرنج خاسرة منذ أول نقلة.
والأجمل أن “صحراويون من أجل السلام” لم يكتفوا بنقد، بل قدموا بديلاً عمليًا، الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وهو مقترح تقول عنه الأمم المتحدة نفسها إنه “واقعي وقابل للتطبيق”، بينما ما تزال الجبهة الانفصالية تردده كأن الزمن توقف في سبعينيات القرن الماضي.
وقد لا يكون من المفاجئ أن المغرب استقبل هذه الحركة بترحيب دبلوماسي دافئ، يشبه ترحيب من أنهى لتوه خصومة طويلة مع جار قرر أخيرًا أنه سئم من الضجيج والتعنت. فالمملكة، بمقترحها للحكم الذاتي، تبدو وكأنها تقول، “من أراد حلاً، فليقترب. ومن أراد شعارًا، فليصطف في طابور الانتظار الأبدي.”
الحركة استشهدت بأمثلة تاريخية مؤلمة لحركات انفصالية مشابهة انتهت إلى الفشل أو العزلة، من بينها “مجاهدو خلق” في إيران و”الانفصاليون في بيافرا” و”العمال الكردستاني”. كلها تجارب تثبت شيئًا واحدًا: عندما ترفع البندقية شعارًا، فإنك في الغالب تنتهي وأنت ترفع الراية البيضاء.
وإن كانت المفارقة تضحكك قليلاً، فهي أن الحركة، بكل واقعية، دعت حتى قادة البوليزاريو أنفسهم للانخراط في حوار داخلي، ليس من باب المجاملة، بل لأن الوقت يداهمنا – والتاريخ، كما قالوا، لا يرحم الصامتين.
أما الجبهة، فمستمرة في تكرار الأسطوانة نفسها: تقرير المصير، تقرير المصير، تقرير المصير… حتى كأنهم نَسوا أن معظم الصحراويين باتوا يبحثون عن تقرير المصير الاقتصادي والاجتماعي، لا الجغرافي ولا السياسي، ولا ذاك الذي يُقرَّر من تندوف حيث لا شيء يتقرَّر حقًا.
“صحراويون من أجل السلام” ليست حركة ملائكية، لكنها – على الأقل – لم تعد تبيع الوهم. هي تُقَدِّم خطابًا جديدًا بلغة يفهمها الصحراويون جيدًا: لغة العمل، لا الشعارات. لغة الحوار، لا بيانات الحرب الورقية.
والأهم من كل هذا، أنها تطرح سؤالاً مخيفًا في بساطته، إلى متى ستظل الجبهة تصر على تمثيل شعب لا تصغي إليه؟