فرنسا: مغاربة ضمن شبكة خطيرة لتبييض أموال المخدرات والاختطاف بضواحي باريس

بوشعيب البازي

تواصل السلطات القضائية الفرنسية تتبع فصول قضية جنائية شائكة، تتعلق بتفكيك شبكة إجرامية منظمة تنشط في ضواحي العاصمة باريس، يُشتبه في تورط أفراد منها، بينهم مغاربة، في عمليات معقدة لغسل الأموال الناتجة عن الاتجار الدولي بالمخدرات، وجرائم أخرى من قبيل محاولة اختطاف وابتزاز.

وتشير المعطيات الأولية الصادرة عن النيابة العامة في محكمة “بوبيني” الواقعة في إقليم “سين سان دوني”، إلى أن أفراد الشبكة استغلوا آليات تمويل قانونية، من ضمنها “الحساب المهني للتكوين” المعتمد في فرنسا، للحصول على قروض احتيالية تم تمريرها كواجهة لتبييض مبالغ ضخمة يُرجّح أن تكون مرتبطة بأنشطة مشبوهة على جانبي المتوسط.

وقد مثل ثلاثة من المشتبه فيهم، تتراوح أعمارهم بين 29 و36 سنة، أمام المحكمة الجنحية، بتهم ثقيلة تتعلق بـ”تكوين عصابة إجرامية بهدف الاختطاف وغسل الأموال”، في وقت قررت فيه هيئة المحكمة تأجيل النظر في الملف إلى غاية 18 شتنبر المقبل، لتمكين المحققين من تعميق التحريات، لا سيما بعد بروز مؤشرات على امتدادات دولية للشبكة.

حين يتحول التكوين المهني إلى غطاء للغسل والاحتيال

تفاصيل القضية تعود إلى عملية نوعية نفذتها فرقة الأبحاث التابعة للدرك الفرنسي، بتنسيق مع وحدة مكافحة الجريمة الإلكترونية، في سياق تحقيق مفتوح بخصوص استغلال واسع لآلية “الحساب المهني للتكوين”، والتي كانت موضوع عدة تقارير رقابية بسبب تعرضها لاختلالات وتلاعبات جسيمة في السنوات الأخيرة.

لكن مسار التحقيق عرف منعطفًا حادًا بعد تمكن السلطات من اختراق تطبيق “سيغنال” المشفر، الذي كان المتهمون يعتبرونه وسيلة آمنة للتواصل وتنسيق عملياتهم. إذ كشفت المحادثات التي جرت بين أفراد الشبكة، تحت أسماء حركية مثل “جيمس” و”A” و”ميليتير”، عن مخطط مفصل لاختطاف رجل يُدعى “سامي”، اعتقدوا أنه مدين لهم بمبلغ يصل إلى 400 ألف يورو.

المثير أن سيناريو الاختطاف، كما تبين من الرسائل المشفرة، كان شبيها بأفلام الجريمة، إذ تضمنت الخطة استخدام مسدسات، وعصي كهربائية، وشاحنة بلوحات مزورة، وحتى طائرة مسيرة “درون” لتسلم الفدية دون كشف الهوية. كما طُرحت على طاولة النقاش أساليب تعذيب نفسي وجسدي للضحية، بغرض انتزاع اعترافات منه بشأن مكان المال، بما في ذلك التهديد باعتداءات جنسية فظيعة.

موظف بسيط في قلب عاصفة إجرامية

المفاجأة التي أربكت المحققين، تمثلت في أن “سامي” ليس سوى موظف بسيط في جماعة محلية، يبلغ من العمر 38 سنة، ويعمل في الوظيفة العمومية منذ أكثر من عشرين عامًا، ولم يكن مدينًا سوى بمبلغ زهيد مقابل سيارة اشتراها بأقساط لم يسدد جزءًا منها لأحد أفراد الشبكة.

هذا التباين الفج بين “أسطورة الدين الكبير” التي اختلقها المتهمون، والواقع المتواضع للضحية، عزز فرضية أن الجماعة كانت تبحث عن كبش فداء لتصفية حسابات داخلية، يُحتمل أن لها صلات بعالم الاتجار بالمخدرات، خصوصًا أن التقارير الاستخباراتية الفرنسية تؤكد وجود امتدادات لهذه الشبكات في شمال المغرب، بمنطقة الريف، حيث تتخذ مافيات الكيف والحشيش من الأراضي المغربية منصة تصدير إلى أوروبا.

مافيا ما بعد الحداثة: جريمة منظمة تتقن التمويه

ما يميز هذه الشبكة، حسب المحققين، هو الاحترافية في استخدام أدوات العصر الرقمي، من تطبيقات مشفرة، إلى شركات واجهة، مرورًا باستغلال ثغرات قانونية في أنظمة الدعم والتكوين. وهي سمات باتت تشكل تحديًا متزايدًا أمام أجهزة الأمن الأوروبية، التي تجد نفسها أمام عصابات قادرة على التخفي خلف أقنعة قانونية ومؤسساتية.

التحقيقات ترجّح أن هذه الشبكة هي جزء من منظومة تهريب عابرة للحدود، تجمع بين التهريب، والتبييض، والابتزاز، وقد تستغل نقاط الضعف في النظام المالي والإداري الفرنسي لتهريب أموالها إلى المغرب أو دول أوروبية أخرى تحت غطاء الاستثمار أو التكوين.

جرس إنذار لمواجهة الجريمة العابرة للحدود

تكشف هذه القضية مرة أخرى، عن حجم التحديات التي تفرضها الجريمة المنظمة في السياق الأوروبي، والتي لم تعد تعتمد فقط على العنف أو الطرق التقليدية، بل أدمجت آليات التكنولوجيا والاحتيال المالي لتوسيع أنشطتها وتضليل العدالة.

في المقابل، يطرح هذا الملف تساؤلات حول مدى نجاعة أنظمة الرقابة والحماية القانونية في فرنسا، ومدى استعداد السلطات المغربية للتعاون الوثيق مع نظيراتها الأوروبية لمواجهة هذا النوع من الشبكات، الذي يهدد ليس فقط الأمن، بل أيضًا مصداقية المؤسسات الاجتماعية والمالية

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: