الفواكه المغربية.. من حقولنا إلى موائد أوروبا، والمغاربة يتفرجون

بوشعيب البازي

بينما كان الفلاح المغربي يشطف عرقه في سهول سوس و دكالة واللوكوس، كانت شاحنات التبريد تشق الطريق بثبات نحو ميناء طنجة المتوسط. الوجهة؟ لا شيء أقل من أوروبا الشرهة للفواكه الطرية والخضروات الناضجة على حرارة الشمس المغربية. أما المواطن المغربي، فله الله، و”ليمونة ناشفة” إن وجدها.

في الربع الأول من عام 2025، بلغت صادرات المغرب نحو إسبانيا فقط ما مجموعه 188.076 طناً من الفواكه والخضروات، بقيمة مالية فاقت 481 مليون يورو. أرقام مذهلة بلا شك، لكنها تحمل مفارقة لاذعة، كلما ازدهرت تجارتنا الزراعية، تقلصت حصة المغاربة من خيرات أرضهم. إنها قصة “الطماطم الذهبية”، التي لا يذوقها أصحاب الأرض إلا في نشرات الأخبار أو على موائد الأغنياء.

الطماطم المغربية ، نجمة الأسواق الأوروبية.. وغريبة في موائد المغاربة

يا للعار! الطماطم المغربية صارت تُعامل كأنها من سلالة نبيلة لا يليق بها إلا أن تُقشَّر في مدريد وتُقطع في مطابخ بروكسل. خلال ثلاثة أشهر فقط، استوردت إسبانيا من طماطمنا 32.313 طناً، بزيادة 34% عن العام السابق، في حين بلغت قيمتها المالية أكثر من 52.5 مليون يورو، بزيادة تفوق 57%.

وفي المقابل، المغربي البسيط يُطالع الأسعار في السوق وكأنها تسعيرة الذهب الأحمر، ويهمس في سره، “يا حبذا لو كنت طماطم، لأصل إلى أوروبا وأعيش كريمة!”

التصدير قبل الاكتفاء؟ منطق رأسمالي بامتياز

في الدول التي تحترم سيادتها الغذائية، لا تُصدَّر الفواكه والخضر إلا بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل ويباع جزء منها بأثمنة رمزية داخل البلد لحماية القدرة الشرائية للمواطن. أما عندنا، فالحكومة تتعامل مع الفلاح كأنه شركة تصدير متعددة الجنسيات، والمواطن كمستهلك من الدرجة الثالثة.

هل سمع أحدكم يوماً عن فاكهة “البلوبيري المغربي”؟ على الأرجح لا. والسبب بسيط ، هذه الفاكهة لا تُزرع لتُؤكل في المغرب، بل لتُقطف فور نضجها وتُشحن إلى ألمانيا وهولندا، حيث تُباع بأسعار خيالية، دون أن يراها أطفال المغرب إلا على أغلفة العصائر المستوردة!

حين تُصدر النخبة وتأكل العامة “البصلة خضرا”

الفيدرالية الإسبانية، بدورها، لم تحتمل هذا النجاح المغربي كثيراً، فبدأت تدق ناقوس الخطر. قالت بصراحة إن الطماطم المغربية تغزو الأسواق الإسبانية وتخنق المنتج المحلي. كم هو جميل أن نخنق أسواق الآخرين، ولكن المؤلم أن نختنق نحن في أسواقنا دون أن ينبس أحد ببنت شفة.

ورغم تحذيرات الفيدرالية الأوروبية من أن المنتجات المغربية لا تخضع لنفس شروط السلامة والبيئة المفروضة على المنتج الأوروبي، فإن السؤال الأهم يُطرح بالمقلوب ، لماذا لا تخضع منتجاتنا أصلاً لمعايير الجودة حتى داخل بلادنا؟ هل لأننا لا نستحق فاكهة سليمة وخضاراً صحية؟ أم لأننا “شعب المصدرين” لا “شعب المستهلكين”؟

السيادة الغذائية أولاً.. والعدالة في الأكل قبل العدالة في التصدير

من حق المغرب أن يصدر، ومن حق فلاحه أن يربح، لكن ليس من حقه أن يجعل شعبه يتفرج على ما تُنتجه أرضه عبر شاشات التلفزيون الأوروبي. آن الأوان لتقنين تصدير المنتوجات الفلاحية، وفق مبدأ بسيط وواضح: لن تُصدروا طماطمكم حتى نشبع نحن منها!

قبل أن تفكر الحكومة في مراكمة العملة الصعبة من صادرات الطماطم والفلفل والفاصوليا، فلتفكر قليلاً في المواطن الذي يكتفي اليوم ببصلة وشوية عدس.

ففي النهاية، لا توجد دولة قوية دون سيادة غذائية، ولا يوجد مواطن حر دون صحن خضراء نظيف وثمن معقول.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: