مؤسسة “غزة الإنسانية” توقف توزيع المساعدات وسط فوضى أمنية وانتقادات دولية متصاعدة
حنان الفاتحي
في ظل تصعيد عسكري غير مسبوق وأزمة إنسانية خانقة في قطاع غزة، أعلنت مؤسسة “غزة الإنسانية” – وهي جهة غير حكومية مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل – تعليق نشاطاتها المتعلقة بتوزيع المساعدات داخل القطاع، بعد أيام من الاضطرابات الأمنية التي رافقت عملياتها، وسقوط قتلى بالرصاص قرب مواقعها، دون أن تحدد موعداً لاستئناف العمل.
وأكد شهود عيان أن مواقع المؤسسة، خاصة في رفح جنوب القطاع، لم تُفتح مجدداً حتى صباح الخميس، بعد أن أغلقت الأربعاء بدعوى “الصيانة والإصلاح”. يأتي ذلك وسط شكوك متزايدة حول دوافع القرار، في ضوء مقتل عشرات المدنيين في محيط مواقع التوزيع، واتّهامات متصاعدة من منظمات أممية ودولية للمؤسسة بممارسة التسييس والتمييز في توزيع الإغاثة.
وتوزع المؤسسة، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، المساعدات الغذائية منذ أواخر مايو، خارج إطار المنظومة التقليدية لوكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، وهو ما أثار حفيظة العديد من الفاعلين الإنسانيين، الذين وصفوا عملها بـ”غير المحايد” و”العسكري الطابع”، محذرين من تداعيات هذا النهج على سلامة المدنيين، خصوصاً في بيئة أمنية شديدة التدهور.
انهيار منظومة الإغاثة وتصاعد العنف
شهدت الأيام الأخيرة تصاعداً خطيراً في وتيرة العنف قرب مراكز توزيع المساعدات، حيث قُتل عدد من المدنيين بالرصاص الحي خلال محاولتهم الحصول على الطعام، في وقت يعيش فيه سكان القطاع، البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، تحت تهديد المجاعة، وفق تحذيرات الأمم المتحدة.
وقالت مؤسسة “غزة الإنسانية” إنها طالبت الجيش الإسرائيلي بتوفير مزيد من الحماية لمواقعها، بعدما شهد محيط مركز التوزيع في رفح ثلاثة أيام متتالية من إطلاق النار وسقوط ضحايا، فيما اكتفت إسرائيل بالقول إن جنودها أطلقوا “طلقات تحذيرية” دون تأكيد أو نفي مسؤوليتها عن الضحايا.
في المقابل، أظهرت صور نُشرت مؤخراً حشوداً ضخمة تتزاحم عند مواقع المؤسسة دون تنظيم يُذكر، ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة المؤسسة على إدارة عملياتها بشكل إنساني وآمن، في وقت تواصل فيه الأمم المتحدة رفض التنسيق معها، متهمة إياها بتعزيز النزوح القسري وتسييس المساعدات.
تشكيك في أهداف المؤسسة وخلفياتها
ما يزيد من الغموض المحيط بالمؤسسة، هو غياب الشفافية بشأن مصادر تمويلها وهوية القائمين عليها. وقد أثار تعيين رئيس تنفيذي جديد محسوب على تيارات مسيحية إنجيلية مقربة من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تساؤلات حول أجندتها الفعلية في قطاع غزة.
وبينما تصر الولايات المتحدة وإسرائيل على دعم المؤسسة والترويج لها كبديل فعال للمنظومة التقليدية، ترى منظمات دولية وحقوقية أنها تمثل أداة ضغط سياسية تهدد حيادية العمل الإنساني، وتُفاقم من هشاشة الوضع الميداني بدلاً من التخفيف من معاناة السكان.
ضحايا مدنيون وخسائر بشرية متصاعدة
بالتزامن مع تعليق عمليات “غزة الإنسانية”، تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة في قطاع غزة، إذ أعلنت السلطات الصحية مقتل 16 فلسطينياً يوم الخميس، بينهم أربعة صحافيين في غارة جوية على ساحة مستشفى شمال القطاع. ولم يصدر الجيش الإسرائيلي تعليقاً على الحادث.
من جهتها، أعلنت إسرائيل استعادة جثتي رهينتين أميركيين-إسرائيليين من غزة، وهما جودي واينستين-هاغاي وغادي هاغاي، الذين قُتلا خلال هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023. ولا يزال 56 رهينة محتجزين لدى الحركة، ويُعتقد أن أقل من نصفهم ما زالوا أحياء.
وتأتي هذه التطورات بينما استخدمت الولايات المتحدة، الأربعاء، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإجهاض مشروع قرار يدعو إلى “وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار”، ويطالب بالسماح الكامل وغير المقيد بدخول المساعدات إلى غزة، وسط دعم واسع من بقية أعضاء المجلس.
أمل بعيد المنال عشية عيد الأضحى
في جنوب غزة، ينتظر آلاف الفلسطينيين بفارغ الصبر إعادة فتح مواقع توزيع المساعدات، من بينهم صامد (32 عاماً)، وهو أب لثلاثة أطفال يحتمي في خان يونس، الذي قال: “كل ما أريده هو بعض الطعام قبل العيد، لا نملك شيئاً لنقدمه لأطفالنا”.
وفي الشمال، حيث لم تُنشئ مؤسسة “غزة الإنسانية” أي مواقع توزيع، يعيش السكان في عزلة شبه تامة، غير قادرين على عبور مناطق الاشتباك أو الاقتراب من خطوط التماس، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية أكبر تلوح في الأفق.
تعليق عمليات “غزة الإنسانية” يضع علامات استفهام كبيرة حول دور الفاعلين الجدد في ملف المساعدات، وحول مستقبل العمل الإنساني في قطاع بات يئن تحت وطأة المجاعة والنزوح والحصار. وبينما يترقب المدنيون حلول عيد الأضحى في ظل ظروف مأساوية، لا تلوح في الأفق بوادر لوقف التصعيد أو تخفيف المعاناة.