برلين تشدد سياسة اللجوء: مشروع قانون لتوسيع قائمة “الدول الآمنة” يشمل المغرب

مجدي فاطمة الزهراء

في خطوة تعكس تشددًا متصاعدًا في سياسات الهجرة واللجوء داخل الاتحاد الأوروبي، أعلنت الحكومة الاتحادية الألمانية عن مشروع قانون جديد يهدف إلى تسريع معالجة طلبات اللجوء وتحسين فعالية عمليات الترحيل، مع التركيز على تبسيط تصنيف “دول المنشأ الآمنة” وتقليص الإجراءات القانونية المرتبطة بالترحيل. ويمثل المشروع، الذي ناقشه مجلس الوزراء الألماني يوم الأربعاء، أحد أبرز مؤشرات التحول في السياسة الداخلية للهجرة تحت حكومة المستشار فريدرش ميرتس.

من بين أبرز البنود الجديدة، يقترح مشروع القانون تصنيف المغرب، إلى جانب كل من الجزائر وتونس والهند، ضمن لائحة “الدول الآمنة”، ما يعني افتراضًا قانونيًا بعدم وجود مبررات كافية لمنح مواطني هذه الدول حق اللجوء. وبالتالي، ستخضع طلباتهم لفحص أكثر صرامة وتسريع في إجراءات الرفض والترحيل، ما لم يقدموا أدلة فردية دامغة على تعرضهم لاضطهاد حقيقي في بلدهم.

وينص المشروع على أن الحكومة الاتحادية ستكون مخوّلة، في المستقبل، بتحديد الدول الآمنة بموجب لائحة تنظيمية بسيطة، دون الحاجة إلى موافقة البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) أو مجلس الولايات (البوندسرات)، وهو ما يشكل تحولًا لافتًا في مسار اتخاذ القرار، ويقلص من التأثير البرلماني على ملفات الهجرة.

كما يشمل النص المقترح تعديلًا إجرائيًا إضافيًا، يتمثل في إلغاء شرط تعيين محامٍ إلزامي في قضايا الاحتجاز الإداري الخاصة بالترحيل، وهو ما أثار ردود فعل متباينة من قبل منظمات حقوق الإنسان، التي حذّرت من إمكانية تقليص الضمانات القانونية لطالبي اللجوء.

ويستند القانون الجديد إلى تعريف الحكومة الألمانية لـ”دولة المنشأ الآمنة”، وهي تلك التي “لا يُمارس فيها اضطهاد من قبل الدولة، وتحظى بنظام ديمقراطي ونظام قانوني مستقر يوفر حماية فعالة ضد الانتهاكات غير الحكومية”، وفق ما نشره الموقع الرسمي للحكومة. غير أن هذا التصنيف لا يلغي إمكانية تقديم طلبات لجوء فردية، لكنه يضع عبء الإثبات بالكامل على عاتق مقدم الطلب.

في الوقت الراهن، تشمل قائمة “الدول الآمنة” في ألمانيا دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ألبانيا، والبوسنة والهرسك، وجورجيا، وغانا، وكوسوفو، ومقدونيا الشمالية، والجبل الأسود، ومولدوفا، وصربيا، والسنغال. وتعتزم الحكومة الألمانية مراجعة هذه القائمة بشكل دوري وتوسيعها بحسب المعطيات السياسية والحقوقية في الدول المعنية.

سياسة جديدة، واقع أوروبي جديد

يأتي هذا المشروع في سياق أوروبي عام يشهد توجهًا واضحًا نحو تشديد سياسات اللجوء، خاصة في الدول الغربية التي تستشعر ضغطًا سياسيًا واجتماعيًا متزايدًا تجاه الهجرة. وتشير أوساط مقربة من الحكومة الألمانية إلى أن برلين تتطلع إلى نظام أكثر انتقائية في استقبال اللاجئين، مع التركيز على جذب “المهاجرين المهرة” القادرين على المساهمة في سوق العمل، بدلًا من أنظمة اللجوء التي تنطوي، في نظرها، على تكاليف اجتماعية وأمنية متنامية.

ويُنظر إلى هذا التحول كاستجابة غير مباشرة للانتقادات السياسية التي وُجهت لحكومة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، لا سيما بعد قرارها عام 2015 بفتح الأبواب أمام مئات الآلاف من اللاجئين الفارّين من الحرب في سوريا. ومنذ ذلك الحين، بدأت تتبلور مواقف سياسية أكثر تحفظًا داخل الطيف الحزبي الألماني، انعكست بوضوح في برامج أحزاب اليمين والوسط.

بالنسبة للمغرب، يثير تصنيفه كـ”دولة منشأ آمنة” تساؤلات متعددة، خصوصًا في ظل استمرار تقارير المنظمات الحقوقية الدولية حول حرية التعبير والاعتقال السياسي. إلا أن الحكومة الألمانية تعتبر أن المغرب يتمتع بـ”مؤسسات مستقرة وآليات قانونية قادرة على حماية الأفراد من الاضطهاد”، وهو ما يدعم موقفها القانوني في المشروع الجديد.

معادلة دقيقة بين السيادة وحقوق الإنسان

الخطوة الألمانية تعيد طرح جدل قديم جديد حول توازن العلاقة بين السيادة الوطنية في تنظيم الهجرة والالتزام الدولي بحقوق الإنسان. ففي حين تؤكد الحكومة الاتحادية أنها ستواصل دراسة كل طلب لجوء على حدة، ترى منظمات مدافعة عن اللاجئين أن التصنيف العام لدول معينة يُضعف مبدئ الحماية الفردية، ويزيد من خطر الترحيل القسري.

ويبقى أن مصير هذا المشروع، وإن كان مرجحًا للمرور في ظل الغالبية الحكومية، سيفتح فصلًا جديدًا في النقاش الأوروبي حول مستقبل اللجوء والهجرة، لا سيما في زمن تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية، وتتصاعد فيه شعبية الخطابات القومية والشعبوية في أكثر من عاصمة غربية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: