لندن: الصحراء المغربية في قلب الشراكة الإستراتيجية
في خطوة دبلوماسية تعبّر عن تحوّل نوعي في تموضع القوى الغربية إزاء ملف الصحراء المغربية، تواصل بريطانيا تعزيز شراكتها الإستراتيجية مع المغرب، واضعة ملف الصحراء في صلب هذا التقارب المتنامي. فبعد سلسلة من المؤشرات السياسية والاقتصادية الدالة، يتعزز اتجاه لندن نحو دعم مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل جدي وواقعي للنزاع المفتعل.
من شراكة تقليدية إلى محور استراتيجي
العلاقات المغربية البريطانية، التي ظلت لعقود تتأرجح بين التعاون الاقتصادي والحوار السياسي المتوازن، شهدت مؤخرا طفرة نوعية. اتفاقية الشراكة الشاملة لما بعد «بريكسيت» شكّلت اللبنة الأولى لبناء محور جيو-سياسي جديد في شمال إفريقيا، تُدرك لندن أهميته في ظل إعادة تشكيل التحالفات الدولية، وبروز المغرب كقوة إقليمية صاعدة.
ومع تصاعد التوترات بين المغرب وبعض العواصم الأوروبية التقليدية، بدا لافتا أن لندن لم تسلك طريق باريس أو برلين في التردد أو المراوغة، بل ذهبت في اتجاه توسيع الرهانات على الرباط، اقتصاديا وأمنيا واستثماريا.
رأي البازي: “لندن لم تُراوغ، بل فهمت اللعبة”
وفي تعليقه على هذا التحول، يرى الكاتب الصحفي بوشعيب البازي أن “ما يميز السياسة البريطانية إزاء قضية الصحراء هو غياب الازدواجية، عكس كثير من شركاء المغرب الأوروبيين الذين يختبئون خلف عبارات فضفاضة من قبيل دعم جهود الأمم المتحدة دون توضيح موقفهم من سيادة المغرب”.
ويضيف البازي: “لندن تدرك أن مستقبل الاستثمار، والأمن الطاقي، والتحكم في سلاسل التوريد جنوب المتوسط، يمر عبر الرباط، وليس عبر الجزائر أو مخيمات الولاء الزائف للبوليساريو. هذه ليست فقط قراءة سياسية، بل معادلة واقعية صلبة تفرض نفسها على كل الفاعلين.”
الصحراء… من ملف نزاع إلى ورقة تحالف
لقد انتقل ملف الصحراء من كونه عقبة أمام التفاهمات الدبلوماسية، إلى ورقة رابحة في ميزان التحالفات الجديدة. هذا التبدل لا يعكس فقط حنكة السياسة الخارجية المغربية، بل أيضا وعي جزء من النخبة الغربية، وعلى رأسها البريطانية، بأن قضية الصحراء ليست مسألة تصفية استعمار، بل قضية وحدة ترابية لدولة ذات مؤسسات راسخة، وتاريخ ممتد في العمق الإفريقي والأوروبي.
وبينما لا تزال بعض العواصم الأوروبية تميل إلى مسك العصا من المنتصف، يُنتظر أن تسير لندن على خطى واشنطن ومدريد، عبر اعتراف صريح بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ما من شأنه أن يشكل ضربة دبلوماسية موجعة لأطروحة الانفصال، ويفرض إيقاعًا جديدًا على أجندة الحل الأممي.
نقطة ارتكاز جديدة في شمال إفريقيا
تحول المغرب، مدعوما بشركاء مثل بريطانيا، إلى فاعل مركزي في قضايا الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والهجرة، وأمن الطاقة. وهذا التموقع لا يهدد توازنات المنطقة فحسب، بل يدفع حتى بلدان الجوار، مثل الجزائر، إلى مراجعة خياراتها القائمة على المواجهة الأيديولوجية، بدل البراغماتية السياسية.
ما بعد لندن؟
في ظل هذا الحراك، تتجه الأنظار إلى إمكانية إعلان بريطاني صريح وواضح بدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي، وهو ما قد يعيد رسم خطوط النزاع المفتعل، ويدفع باقي العواصم الأوروبية إلى الخروج من “المنطقة الرمادية”.
كما يختتم البازي تحليله قائلاً: “القطار البريطاني انطلق، ومن تخلف عن محطته المقبلة سيفقد موطئ قدم في جنوب المتوسط. الصحراء ليست مجرد صحراء، إنها بوصلة الجغرافيا السياسية الجديدة للمنطقة.”