جون بولتون… حين يتوه صقر الحرب في رمال الصحراء المغربية!

بوشعيب البازي

المستشار السابق للأمن القومي، جون بولتون، خرج علينا بمقال لا يمت بصلة إلى التحليل السياسي الرصين، ولا إلى المسؤولية الدبلوماسية التي يُفترض أنه يحمل إرثها، بل بدا المقال الأخير الذي نشره بمثابة إعلان دعائي، يُردده بلهجة منمّقة، لكنه مملوء بالتضليل والانتقائية والافتراء على الحقائق التاريخية والسياسية حول الصحراء المغربية.

من تابع مسيرة جون بولتون يدرك تمامًا أنه لم يكن يومًا صديقًا للمقاربات التوافقية ولا للعدالة الدولية، بل كان دائمًا من دعاة “القبضة الحديدية”، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، إلا أن تحوله إلى أداة في ماكينة لوبي يروج للانفصال يطرح أكثر من سؤال حول دوافعه، والأطراف التي توجّهه.

يتحدث بولتون عن الصحراء كما لو كانت “مستعمرة قائمة بحد ذاتها”، متجاهلًا عمدًا أن محكمة العدل الدولية، في رأيها الاستشاري سنة 1975، أقرت بوجود روابط تاريخية وسياسية وشرعية بين القبائل الصحراوية وملوك المغرب، ما يفند ادعاء “الاستعمار المغربي” المزعوم.

بل إن بولتون لم يذكر أن إسبانيا، عند انسحابها، وقّعت اتفاقية مدريد مع المغرب وموريتانيا، ولم تُسلّم أي “شعب” أو “أرض” لما يسمى بوليساريو، بل إن هذه الأخيرة لم تكن سوى أداة ابتكرها النظام الجزائري من رحم الحرب الباردة لخدمة طموحاته الإقليمية.

يتهم بولتون المغرب بـ”عرقلة” الاستفتاء، وهو اتهام مكرر فقد قيمته منذ أن أسقطت الأمم المتحدة خيار الاستفتاء من قرارات مجلس الأمن منذ 2004، لأنه ببساطة لم يعد قابلًا للتنفيذ بسبب الخلاف على من له الحق في التصويت.

◄ الجزائر لم تغير شيئًا في جوهر موقفها، وهي ترفض حتى اليوم الجلوس إلى طاولة المفاوضات كطرف رئيسي، رغم أنها الراعي الأول، والممول الأول، والمعرقل الأول لأي تسوية

أين كان بولتون حين رفضت الجزائر السماح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإحصاء سكان المخيمات؟ لماذا لا يتحدث عن رفض بوليساريو لأي انتخابات ديمقراطية داخل المخيمات؟ وعن الانتهاكات الحقوقية التي توثقها تقارير منظمات دولية، حيث يُمنع الناس من مغادرة المخيمات أو التعبير عن رفضهم للانفصال؟

يتجاهل بولتون بشكل فجّ أن المغرب قدم سنة 2007 مبادرة الحكم الذاتي، التي وصفتها دول كبرى بأنها “جادة وذات مصداقية”.

المبادرة تقترح حلاً متقدما يحفظ كرامة السكان المحليين، ويضمن لهم التسيير الذاتي ضمن السيادة المغربية، ويفتح باب المصالحة والتنمية والاستقرار وهذا ما تدعمه أغلب الدول في مجلس الأمن اليوم، فهل نسي بولتون أن الولايات المتحدة نفسها اعترفت بسيادة المغرب على صحرائه في ديسمبر 2020؟

يستنكر بولتون الإشارة إلى النفوذ الإيراني داخل بوليساريو، في حين أن المغرب قدّم أدلة واضحة تثبت تورط عناصر من حزب الله في تدريب وتسليح مقاتلين انفصاليين.

هذه ليست مزاعم بل ملفات أمنية اطلعت عليها عواصم كبرى. فكيف يسمح رجل “أمني” مثل بولتون لنفسه بنفي معلومات أكدتها أجهزة استخبارات بلده واستخبارات دول عظمى؟

يروج بولتون لفكرة أن الجزائر بصدد “إعادة تموقعها” عبر اتفاقيات عسكرية مع الولايات المتحدة، وأنها “تسعى لتحالفات جديدة”، وكأن ذلك يُكسبها شرعية التدخل في ملف لا يخصها قانونيًا.

لكن الحقيقة أن الجزائر لم تغير شيئًا في جوهر موقفها، وهي ترفض حتى اليوم الجلوس إلى طاولة المفاوضات كطرف رئيسي، رغم أنها الراعي الأول، والممول الأول، والمعرقل الأول لأي تسوية.

جون بولتون اليوم لا يكتب كدبلوماسي، بل كوسيط سياسي لمصالح خارجية فقدت كل رصيد أخلاقي في الملف المفتعل، والمغرب، بثوابته الوطنية، وانفتاحه على العالم، لا يرد بالشتائم، بل بالوقائع والشرعية والتاريخ.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: