المغرب والاتحاد الأوروبي: شراكة استراتيجية لإعادة تشكيل ملامح الساحل الأفريقي

بوشعيب البازي

في زمن تتعاظم فيه التحديات الأمنية وتتشابك فيه الأزمات الجيوسياسية بمنطقة الساحل الأفريقي، يبرز المغرب كشريك موثوق وفاعل رئيسي في صوغ توازنات جديدة، تجمع بين الواقعية السياسية والحلول التنموية المستدامة. هذا ما عبّر عنه الاتحاد الأوروبي بوضوح من خلال تصريحات رسمية للممثل الخاص للاتحاد لمنطقة الساحل، جواو كرافينهو، عقب مباحثاته الأخيرة في الرباط مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.

الرسالة الأوروبية جاءت واضحة، المغرب ليس مجرد جار قريب من الساحل، بل شريك إقليمي ذو مصداقية عالية، ورؤية استباقية تُسهم في مواجهة التحديات المركبة التي تعيشها المنطقة. فبحسب كرافينهو، فإن علاقات الجوار التي تربط المملكة بدول الساحل “تشكل مصدرًا مهمًا للمعرفة والفهم، وأساسًا لتحديد مسارات عمل مشترك يخدم مصالح شعوب المنطقة.”

شراكة قائمة على الثقة والنجاعة الأمنية

هذا التقدير الأوروبي للدور المغربي لا يأتي من فراغ، بل يرتكز على سجل حافل من الإنجازات الأمنية والدبلوماسية، سواء من خلال التعاون في تفكيك خلايا إرهابية داخل أوروبا وأفريقيا، أو عبر دعم مقاربات التأطير الديني ومحاربة التطرف العنيف ونشر قيم الاعتدال. وهو ما أكده الخبير في الشؤون الأمنية محمد الطيار، الذي وصف المغرب بـ”الفاعل المركزي في الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة”.

المقاربة المغربية في الساحل لا تقتصر على المعالجة الأمنية، بل تشمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية وروحية، ما يمنحها طابعًا تكامليًا قلّما يوجد في المبادرات الإقليمية. وهذا ما يفسر الثقة التي تحظى بها الرباط لدى مختلف الأطراف، سواء في بروكسيل أو واغادوغو أو نيامي.

مبادرة الأطلسي: الرؤية الملكية تترجم إلى مشاريع اندماجية

واحدة من أبرز أوراق الرباط في هذا السياق هي مبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس، والتي لقيت ترحيبًا واسعًا من قِبل رؤساء ووزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو خلال اجتماع مراكش في يوليو 2024. المبادرة لا تستهدف فقط فك العزلة الجغرافية عن هذه الدول، بل ترمي إلى إدماجها في منظومة اقتصادية جديدة تفتح أمامها آفاق التنمية والانفتاح البحري والاستراتيجي.

وفي خطوة تؤكد عمق هذا التحول، قرر قادة دول الساحل الثلاث، في أبريل الماضي، تشكيل “كونفدرالية دول الساحل”، كإطار مؤسساتي جديد للتنسيق السياسي والاقتصادي والعسكري، على أن يكون المغرب شريكًا استراتيجيًا في مواكبة هذا البناء الجديد، وهو ما تجسد في الاستقبال الملكي لوزراء خارجية الدول الثلاث في الرباط نهاية أبريل.

الاتحاد الأوروبي والمغرب: رهان مشترك لمواجهة التحديات

الاتحاد الأوروبي، الذي يرى في الساحل الأفريقي منطقة حيوية لأمنه القومي، يدرك أن الاعتماد على المغرب لم يعد خيارًا ظرفيًا، بل ضرورة استراتيجية. وبهذا الخصوص، دعا الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية خالد شيات إلى ضرورة أن يترجم الاتحاد الأوروبي هذه الثقة في المغرب إلى دعم فعلي لمبادراته، سواء عبر تمويل المشاريع التنموية، أو من خلال إسناد دبلوماسي فعال لرؤية المملكة في الساحل.

غياب دول الساحل الثلاث (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) عن الاجتماع الوزاري الثالث بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي، الذي انعقد مؤخرًا في بروكسيل، يؤكد التحولات العميقة التي تعيشها المنطقة، والحاجة إلى وسطاء عقلانيين وفاعلين – مثل المغرب – لإعادة بناء الجسور السياسية بين أوروبا وهذه الدول.

التحدي الأمني يتطلب تحالفات جديدة

تشير تقارير أممية حديثة إلى أن منطقة الساحل والصحراء تصدرت لائحة المناطق الأكثر تضررًا من الإرهاب في العالم خلال السنوات الثلاث الأخيرة. هذا الواقع المقلق يدفع الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة مقاربته التقليدية في التعامل مع الساحل، والتركيز على دعم دول الاستقرار، وعلى رأسها المغرب، كقوة إقليمية قادرة على المساهمة في الحد من المد المتطرف، واحتواء الفوضى، وتثبيت الأمن الإقليمي.

وفي خطوة رمزية تعبّر عن الثقة المتبادلة، لعبت الرباط مؤخرًا دور الوسيط الإنساني بين بوركينا فاسو وفرنسا، ما أسفر عن الإفراج عن أربعة فرنسيين كانوا محتجزين في واغادوغو، وهي المبادرة التي اعتبرتها وزارة الخارجية المغربية تجسيدًا للعلاقات المتميزة التي تجمع بين العاهل المغربي والرئيس البوركينابي، إبراهيم طراوري.

المغرب شريك لا غنى عنه

في ضوء ما سبق، يتأكد أن المغرب لم يعد مجرد شريك للاتحاد الأوروبي في ملفات الهجرة أو الطاقة أو مكافحة الإرهاب، بل أصبح ركيزة أساسية في مقاربة أوروبية جديدة تجاه أفريقيا، قائمة على الثقة، والنجاعة، وتوازن المصالح.

وإذا كانت أوروبا تبحث عن شركاء موثوقين في زمن الشكوك الاستراتيجية، فإن المغرب – بكل ما راكمه من خبرات ومصداقية – يُقدّم اليوم نموذجًا عمليًا للشراكة الذكية التي لا تكتفي بالتشخيص، بل تنخرط في البناء.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: