“عبد الله في ضيافة الأشقاء: رحلة سياحية تنتهي بـ«الإقامة الجبرية» في مطار العقبة!”
حنان الفاتحي
في زمن أصبح فيه “حسن الضيافة” شعارًا لوزارات السياحة، وفي الوقت الذي تتنافس فيه الدول على جذب الزوّار والمستثمرين وتلميع صورتها كـ”جنة الشرق الأوسط”، قررت السلطات الأردنية أن تُخرج سيناريو جديدًا بعنوان: “كيف تحوّل سائح مغربي إلى نزيل إجباري بدون تهمة، وبدون تفسير، وبدون حتى مرحاض!”
عبد الله مسعودي، مواطن مغربي عادي جدًا، لا يحمل لا قنابل ولا قناعات ثورية، بل فقط حقيبة سفر ونية حسنة لاكتشاف بلد شقيق. دخل الأردن يوم 28 من الشهر الجاري، بحثًا عن لحظات سياحية لطيفة بين رمال وادي رم وزرقة خليج العقبة… فوجد نفسه فجأة نزيلاً في زنزانة من فئة “صفر نجوم” داخل مطار الملك الحسين الدولي. الجريمة؟ لا أحد يعلم. التهمة؟ غير معروفة. أما العقوبة؟ فكانت مصادرة جواز سفره، وسلبه أبسط حقوقه كسائح وإنسان.
في تصريح صحفي له ، روى مسعودي تفاصيل محنته التي بدأت منذ وطأت قدماه أرض المطار، حيث وجد نفسه محاطًا بعناصر أمنية لا تبتسم، لا تشرح، ولا حتى تعتذر. صادروا جوازه كما تُصادر بضاعة مهربة، وألقوا به في غرفة “صغيرة تفتقر لأبسط مقومات الحياة”، حسب تعبيره، “بل حتى مرحاض غير موجود!” — وكأن السياحة في الأردن تتضمن تجارب “البقاء في بيئات قاسية” من باب المغامرة!
السلطات الأردنية، التي لا تنفك تتحدث في المؤتمرات عن “تسهيل إجراءات الدخول للسياح العرب”، قررت أن عبد الله ليس سائحًا، بل ربما تهديدًا أمنيًا في هيئة مواطن مغربي يحمل الكاميرا بدل القنبلة. والأنكى من ذلك، أنه إلى حدود كتابة هذه السطور، ما زال محتجزًا دون أي توضيح رسمي من السلطات الأردنية. لا بيان، لا تغريدة، ولا حتى منشور على صفحة وزارة السياحة.
وهنا يُطرح السؤال (والسخرية تغلب عليه): هل أصبح الجواز المغربي في بعض المطارات العربية لا يفتح الأبواب بل يغلقها؟ وهل الأشقاء، الذين نتغنى بصلات القربى معهم، أصبحوا يتعاملون معنا كـ”حالات مشتبه فيها” بدل أن يُفرشوا لنا البساط الأحمر كما يفعلون مع السياح الأوروبيين؟
أما الخارجية المغربية، فـ”كالعادة”، في عطلة نهاية أسبوع دبلوماسية. لا بيان استنكاري، ولا اتصال عاجل بالسفارة الأردنية، وكأن المواطن المغربي خُلق ليُهان دون أن يرفع أحد سماعة الهاتف.
هذا الحادث يعيدنا إلى السؤال الأبدي: متى تصبح كرامة المواطن المغربي أولوية فعلية في أجندة الدولة؟ متى ينال حاملو الجواز المغربي معاملة تليق بهم في مطارات الدول الشقيقة قبل الصديقة؟ ومتى يتوقف بعض الأشقاء عن معاملتنا كـ”غرباء عرب” بدل أن نكون ضيوفًا مكرّمين؟
في انتظار ذلك اليوم، يبقى عبد الله مسعودي رهين غرفة بلا مرحاض، ومواطن مغربي آخر يُضاف إلى قائمة “ضحايا حسن الاستقبال العربي”. أما نحن، فنكتفي بتدوين المأساة… بالسخرية طبعًا، لأن الألم وحده لم يعد يكفي.