الجزائر بين “مدرسة بن غبريت” و”مقررات بن باديس”: عندما تتحول فيسبوك إلى وزارة ظل!

بوشعيب البازي

في بلاد العجائب السياسية، حيث الفيسبوك هو البرلمان الموازي، وتويتر وزارة النوايا الحسنة، وجروبات الواتساب بمثابة مجالس شورى وطنية، لا يُستغرب أن تنهض أمة كاملة لإسقاط “منظومة نورية بن غبريت”، ولا بأس إن رُفعت شعارات تربوية مثل، “ارجع يا منهج الثمانينات، فقد ساء الزمان!”

الجزائر التي اعتادت على معارك الأجنحة داخل قصر المرادية، باتت اليوم على موعد مع صراع أيديولوجي “عابر للشبكات”، بين من يحنّ إلى زمن السبورة الخشبية ومقررات “العقيدة أولاً”، ومن يرى في الوزيرة السابقة للتربية، بن غبريت، آخر قلاع الحداثة المنهارة على رأسها.

الوسم الجديد على منصة فيسبوك، والذي طالب الرئيس تبون بـ”التوبة” من علمانية بن غبريت والعودة إلى “الكتاب المدرسي البائد”، هو صورة مثالية عن تحول الحراك الاجتماعي إلى حراك افتراضي بتوقيت الأيديولوجيا. لا مسيرات ولا لافتات، فقط “ترند” قوي وإعجابات تنهال كالمطر، وتحليلات سياسية من مدونين يشربون الشاي على أرائك جلدية، ويعدّون أنفسهم صُنّاع قرار.

التيار الإسلامي، وقد انفطم عن واجهة الأحزاب الرسمية وتخلى عنه الخطاب السياسي، وجد ضالته في ساحة الفيسبوك. وهناك، بعيدا عن صناديق الاقتراع والنشاط الحزبي، يصيغ من جديد ملامح الجزائر التعليمية، ويطالب – بكل بساطة – بـ”إلغاء بن غبريت وإعادة إنتاج الثمانينات”، وكأننا بصدد إعادة بث مسلسل قديم بطلب الجمهور.

أما التيار العلماني، فقد خرج من صومعته النظرية ليعلن، بلغة لا تقل حدة، أن العودة إلى الوراء ليست حلا، وأن التربية لا تُبنى بالحنين بل بالعقل، واعتبر كل محاولة لـ”تديين المدرسة” مشروع فتنة مؤجل، يضع الجزائر في طريق اللاعودة.

وبين هؤلاء وهؤلاء، تجلس السلطة، في وضعية “رجل فوق حبل مشدود”، تحاول إرضاء الجميع دون أن تزعج أحدًا. فهي من جهة، لا تريد خسارة “اللايكات الإسلامية”، ومن جهة أخرى، تتابع مؤشرات رضى “القبائل الكبرى” حيث العلمانية ليست مجرد فكرة، بل نمط حياة.

وفي خضم هذا الصخب، يسقط المؤرخ محمد الأمين بلغيث في فخ التصريحات، فيُرمى به إلى غياهب السجن، بعد اتهامات تتراوح بين “تدنيس الهوية” و”الحنين إلى الماضي المجيد”، بينما العلمانيون يصفقون للعدالة، والإسلاميون يبكون “رمزهم الفكري” الذي لم يُكتب له النجاة من قنابل الرأي العام.

حتى بن غبريت نفسها، التي طالما تحصّنت خلف دعم الرئيس السابق بوتفليقة ودوائر القرار، عادت إلى واجهة الجدل من بوابة التبكيت، وتحوّلت إلى “رمز العهد البائد”، يتوعدها البعض بمصير “العصابة”، فقط لأنها حاولت أن تزرع بعض الفرنسية في تربة تعليمية عتيقة!

في الجزائر، لا يقتصر الصراع الأيديولوجي على الجامعات والمنابر السياسية، بل يتسلل إلى المناهج، إلى الضمائر، إلى جداول الحصص. هل نُعلم أبناءنا أن “الانتماء العقائدي” أهم من التفكير النقدي؟ هل ندرس التاريخ كما جاء في كتبنا، أم كما يُكتب اليوم على الجدران الزرقاء؟

لقد تحوّل النقاش حول التعليم إلى مرآة كاشفة لمأزق الدولة: تريد إرضاء الجميع، لكنها لا تستطيع إرضاء أحد. تهادن الإسلاميين باسم “الثوابت الوطنية”، وتغازل العلمانيين باسم “التحديث”، وفي كل مرة، تجد نفسها في موقف التلميذ الذي حضر الامتحان بلا مراجعة، ويحاول الغش من كلا الجانبين.

وفي النهاية، يبدو أن المنظومة التربوية في الجزائر ليست سوى “صف افتراضي كبير”، والسلطة تحاول أن تكون المعلمة التي لا تغضب أحدًا، لكن لا أحد يلتزم بالدرس.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: