فضيحة معاشات المتقاعدين الجزائريين: حين تدفع فرنسا رواتب الأموات وتُتهم بالتآمر على الأحياء!

مجدي فاطمة الزهراء

في بلاد العجائب، قد تسمع عن الموتى الذين يُبعثون من قبورهم لأداء مهمة سامية، لكن في الجزائر، المهمة مختلفة قليلًا: الموتى يتقاضون معاشاتهم بانتظام من الخزينة الفرنسية، وبالعملة الصعبة! لا عجب إذن أن تشعر فرنسا بالغضب، ولا غرابة في أن تبدأ حملة تفتيش كبرى، وكأنها تحقق في شبكة أشباح متقاعدة تنشط بين تندوف وقسنطينة.

فرنسا، التي أفاقت متأخرة على حجم ما يُصرف دون وجه حق، قررت في 2025 أن تنفّذ أكبر عملية “إثبات حياة” في التاريخ الإداري الحديث. الخطة تشمل استدعاء 50 ألف متقاعد جزائري هذه السنة فقط، على أن يرتفع العدد إلى 60 ألفاً سنوياً، لأن «البقاء على قيد الحياة» أصبح شرطاً أساسياً للاستفادة من التقاعد، ويا للغرابة!

لكن الفضيحة ليست فقط في حجم التحايل – الذي قدّرته باريس بـ80 مليون يورو سنوياً – بل في ردود الفعل الجزائرية الغاضبة، التي لم تجد ما ترد به سوى اتهام فرنسا بـ”التحامل” و”العنصرية”، وكأن دفع رواتب الموتى بات حقاً إنسانياً مقدساً!

صحيفة “الشروق”، التي أصبحت بوقًا شبه رسمي، دخلت على الخط بمقال عنوانه العريض، “فرنسا تستهدف الجزائريين”.. ولولا الحياء، لأضافوا: “وتنتهك حق المتوفين في التقاعد”.

أما النظام الجزائري، الذي لا يضيع فرصة لتحويل أي ورطة إلى أزمة دبلوماسية، فقد وجد في الملف وقوداً لتأجيج العداء القديم الجديد مع باريس. وبدلاً من أن يفتح تحقيقاً داخلياً، أو يُراجع منظومة التوثيق الوطنية التي تسمح لميتٍ أن يوقّع ويستلم، اختار الجنرالات نفس الأسطوانة المشروخة: فرنسا تُسيّس، فرنسا تبتز، فرنسا تهين كرامة الأمة… وكأن الكرامة تقاس بعدد الشواهد المزورة و”شهادات الحياة” المفبركة!

الناشط وليد كبير علّق على المسألة بواقعية مرة، متهماً النظام بـ”توريط الجالية في صراعات لا تخصها”. وهو محق: المتقاعدون الشرفاء – سواء كانوا أحياء أو ضمن قائمة الانتظار – يجدون أنفسهم اليوم في قلب مواجهة بين نظام عسكري عالق في عقدة الاستعمار، ودولة أوروبية تحاول تصحيح فاتورة كلفتها الغفلة والسكوت الطويل.

لكن من قال إن الجزائر تعرف كيف تخرج من الأزمات؟ ما إن تُحشر في الزاوية حتى تبدأ في الحديث عن “الذاكرة”، وتُرسل مستشاريها إلى باريس بحثاً عن أرشيف جديد يمكن استخدامه لصرف الانتباه عن أرشيف المتقاعدين الوهميين.

وفي انتظار أن يتأكد الفرنسيون من من هو حي ومن عاد إلى بارئه منذ سنوات، يبقى السؤال الأهم: هل ستواصل الجزائر الدفاع عن “حق الأموات في التقاعد”، أم ستقر أخيراً أن أكبر عملية تحايل اجتماعي جماعي في التاريخ الحديث تمت تحت أنفها… وبسكوتها المريب؟

نهاية القصة؟ ليست قريبة. فطالما أن “الشهيد” يتقاضى معاشاً، و”المجاهد” يظهر مرة كل أربع سنوات لتجديد شهادة حياته، سنظل نقرأ تقارير المجالس الفرنسية، ونستمع لتصريحات جزائرية تتهم الجميع… ما عدا النفس.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: