المغرب يعزز قدراته البحرية بسفينة “أفانتي 1800” جديدة في إطار شراكة استراتيجية مع إسبانيا

بوشعيب البازي

شهدت القوات البحرية الملكية المغربية، يوم الثلاثاء، تطوراً نوعياً جديداً تمثل في تدشين سفينة دورية بحرية متطورة من طراز “أفانتي 1800″، جرى تعويمها في حوض بناء السفن التابع لشركة “نافانتيا” بمدينة سان فرناندو الإسبانية، بحضور وفود رسمية من البلدين.

وتحمل السفينة الرقم 502، وتُعد أول فرقاطة تُصنع في ورش بناء السفن الإسبانية لصالح المغرب منذ ما يقارب أربعة عقود، ضمن مشروع تعاقد عليه الجانبان في سبتمبر 2022، بتمويل قرضي من بنك “سانتاندير” بقيمة 95 مليون يورو، وبكلفة إجمالية بلغت 130 مليون يورو (ما يعادل 146 مليون دولار).

وتعكس هذه الخطوة عمق الشراكة الاستراتيجية بين الرباط ومدريد، كما تندرج ضمن رؤية المغرب لتحديث قواته البحرية وتعزيز قدراتها في مراقبة الحدود، مكافحة الهجرة غير الشرعية، والتصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود.

تعزيز القدرات البحرية وسط تحديات إقليمية

السفينة الجديدة، التي يبلغ طولها 87 متراً وعرضها 13 متراً، تستوعب طاقماً قوامه 60 فرداً، وتم تصميمها لتنفذ طيفاً واسعاً من المهام، تشمل الأمن البحري، المراقبة الساحلية، عمليات الإنقاذ، والدعم اللوجستي، إضافة إلى قدرات متقدمة في الدفاع السطحي والحرب الإلكترونية. كما تتميز بقدرتها على التخفي عن الرادارات، واحتوائها على نظام تسليح متكامل يشمل مدفعاً عيار 76 ملم، وصواريخ مضادة للسفن، وأنظمة دفاع جوي قصيرة ومتوسطة المدى.

ويأتي هذا التطور في سياق إقليمي يتميز بتزايد التوترات الأمنية في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، إلى جانب احتدام المنافسة الجيو-بحرية في غرب البحر المتوسط، ما يضع المغرب في موقع يتطلب تعزيز أدواته الدفاعية لضمان أمنه القومي وحماية مصالحه البحرية.

دلالات سياسية وتكنولوجية

النقيب محمد الفضيلي، ممثل البحرية الملكية المغربية، أكد خلال مراسم التدشين أن هذا المشروع “يجسد عمق علاقات الصداقة والتعاون بين المملكتين المغربية والإسبانية، ويعكس التزام البحرية الملكية بتحديث أسطولها لمواكبة التحديات المتغيرة للأمن البحري، وفق توجيهات جلالة الملك محمد السادس”.

من جهته، وصف ألبرتو سرفانتس، مدير قطاع الطرادات والسفن الخاصة في “نافانتيا”، الوفاء بهذا العقد بأنه “نجاح يعزز ثقة الزبائن الدوليين في قدرة الشركة على تنفيذ مشاريع استراتيجية معقدة”، مشيراً إلى أن مشاريع مماثلة قد تتبع ضمن محفظة التعاون مع المغرب.

وأكد ريكاردو دومينغيز، رئيس مجلس إدارة نافانتيا، أن إطلاق السفينة يمثل “ليس فقط إنجازاً هندسياً، بل أيضاً تجسيداً لقوة التعاون الثنائي والالتزام المتبادل بالتميز التكنولوجي والسلامة البحرية”.

شراكة أمنية واعدة

في تحليل للمشروع، أشار الأكاديمي والخبير في الشؤون الإستراتيجية هشام معتضد إلى أن التعاون البحري بين المغرب وإسبانيا “ينسجم مع المصالح الأمنية المشتركة للبلدين في مواجهة التحديات العابرة للحدود، وفي مقدمتها الإرهاب والهجرة غير النظامية”. وأضاف أن “الموقع الجغرافي المشترك على ضفتي المتوسط يفرض ضرورة تكثيف التعاون البحري والعسكري، مع آفاق واعدة لتوسيع هذه الشراكة لتشمل أنظمة الدفاع الجوي والطائرات دون طيار”.

تحديث مستمر للأسطول البحري

السفينة “أفانتي 1800” تنضم إلى ترسانة البحرية المغربية إلى جانب الفرقاطة “طارق بن زياد”، متعددة المهام، والفرقاطة “محمد السادس”، ما يجعل البحرية الملكية واحدة من الأكثر تطوراً في أفريقيا. وتُبنى جميع هذه الوحدات بمواصفات عالية تضمن التشغيل البيني مع القوات الحليفة في إطار التعاون العسكري الإقليمي والدولي.

وفي سياق متصل، أفادت وسائل إعلام إسبانية أن المغرب تلقى، في ديسمبر الماضي، دعماً مالياً بقيمة 2.5 مليون يورو من المؤسسة الدولية والأيبيرية-الأميركية للإدارة والسياسات العامة، لاقتناء معدات مراقبة بحرية وبرية. ويهدف هذا التمويل إلى تعزيز قدرات المملكة في مراقبة حدودها ومواجهة شبكات التهريب والاتجار بالبشر، خاصة في المناطق الساحلية والجبلية.

بهذه الخطوة، يواصل المغرب ترسيخ مكانته كفاعل رئيسي في الأمن البحري الإقليمي، مستفيداً من التكنولوجيا الأوروبية والخبرة الإسبانية، ضمن رؤية متكاملة لتحديث القوات المسلحة وتعزيز سيادة المملكة على مياهها الإقليمية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: