من دمشق… البوليساريو تُطرد من “جنة” الممانعة

بوشعيب البازي

لمن كان يعتقد أن دمشق ما زالت تؤمن بأشباح “الجمهوريات الصحراوية”، أو تفتح مكاتب للبوليزاريو في زوايا الممانعة المهجورة، نهمس له اليوم: “صح النوم”. فقد تحركت بعثة مغربية تقنية إلى دمشق، لا لالتقاط صور سياحية عند الجامع الأموي، بل لمعاينة حدث استثنائي: إغلاق مكتب الانفصاليين، رسميًا وبشكل نهائي.

نعم، المكتب الذي كان ذات يوم يُعلَّق فيه علم كرتوني لجمهورية لم يرها أحد، ويُوزَّع فيه شاي مجاني بنكهة المؤامرة، أُغلق. أُغلق أمام عدسة مشتركة لمسؤولين مغاربة وسوريين، في مشهد لا يخلو من رمزية: الممانعة تُراجع أوراقها، والبوليساريو تُراجع حجوزاتها… إن بقيت لها وجهة.

السلطات السورية، من جهتها، قالت كلامًا جميلاً في حب السيادة والوحدة الترابية، مُعلنةً – من قلب دمشق – أن زمن المجاملات الثورية المجانية قد ولّى، وأن خريطة المغرب، من طنجة إلى الكويرة، لا تحتاج إلى تفسير جغرافي جديد.

أما في الرباط، فالأمر يتجاوز الحدث البروتوكولي: قرار جلالة الملك محمد السادس بإعادة فتح السفارة المغربية في دمشق لا يحمل فقط أبعادًا دبلوماسية، بل يؤسس لانقلاب ناعم في هندسة التحالفات. من زمن “من مع من؟” إلى زمن “من ضد من؟”، ها هو المغرب يعيد ترتيب بيته الإقليمي بهدوء، ودون الحاجة إلى تطبيل أو قصائد قومية.

فلتبكِ بعض الأبواق الانفصالية على مكتب أغلقته الجغرافيا، قبل أن يغلقه القرار السياسي. ولتتساءل بعض الجهات التي ما تزال تتغذى على الوهم الصحراوي: من تبقّى لكم؟ فنزويلا؟ تيمور الشرقية؟ أم جمعية الصداقة الكوبية-الصحراوية في مقاطعة لم يعد يعرفها أحد؟

في دمشق، الباب أغلق. والرسالة واضحة: من أراد علاقة متينة مع الرباط، عليه أن يطوي دفتر “الكائن الانفصالي” ويعترف أن المغرب، بملكه، بشعبه، وبصحرائه، ليس موضوعًا للتفاوض، بل شريكًا استراتيجيا في زمن الحقيقة الإقليمية.

الآن فقط، يمكن القول إن “العهد الجديد” في العلاقات المغربية السورية لم يُدشّن بالكلام… بل بمفتاح، أقفل بابًا كان يجب أن يُغلق منذ زمن.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: