في يوم إفريقيا، لم يكتفِ المغرب بمظاهر الاحتفال البروتوكولية أو الخطابات المنمقة. بل جاء وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، برسالة واضحة ومباشرة: إفريقيا ليست مجرد قارة نتحدث عنها في المناسبات، بل فضاء استراتيجي يتفاعل معه المغرب يوميًا، باستثمار حقيقي، والتزام ثابت، ورؤية ملكية لا تحيد.
ففي كلمة ألقاها بالعاصمة الرباط، أكد بوريطة أن الملك محمد السادس جعل من إفريقيا “أولوية استراتيجية ثابتة في السياسة الخارجية للمملكة”، وأن مستقبل القارة لا يمكن أن يُبنى إلا بإرادة أبنائها وتعزيز التعاون العملي بين دولها.
من الشعارات إلى الممارسات
اختيار شعار هذه السنة: «الاندماج والتنمية في إفريقيا: تسريع الربط والتعاون البيني الإفريقي»، لم يأتِ اعتباطًا. بل يعكس، بحسب بوريطة، جوهر الرؤية الملكية التي تعتبر أن التكامل بين الدول الإفريقية لم يعد خيارًا، بل ضرورة وجودية. ففي وقت لا تمثل فيه إفريقيا سوى 3٪ من التجارة العالمية، ولا تتجاوز تجارتها البينية 17٪، تبدو الحاجة ملحة لتغيير هذا الواقع المزمن من التبعية الاقتصادية.
“تغيير هذا الواقع لم يعد مسألة كبرياء، بل أصبح مسألة بقاء”، يقول بوريطة، مشيرًا إلى أن العالم لا ينتظر أحدًا، وعلى إفريقيا أن تسرع خطاها، وتبني سلاسل قيمة قارية قادرة على تحويل مواردها محليًا، بدل تصديرها خامًا واستيرادها بثمن مضاعف.
المغرب… شريك لا يتكلم فقط، بل يفعل
الوزير المغربي لم يقدم المغرب كقوة مانحة ولا كقائد للقارة، بل كشريك ملتزم يفي بوعوده. “نحن لا نحتفل بإفريقيا ليوم واحد، بل نعيشها ونؤمن بها يوميًا”، قال بوريطة، في لهجة تجمع بين الواقعية والطموح. وأضاف أن المملكة تستثمر في الصحة والتعليم والبنى التحتية، وتطلق مبادرات نوعية من بينها مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، ومبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، ودعم دول الساحل في الوصول إلى المحيط الأطلسي.
المغرب، بحسب بوريطة، لا يبحث عن مجد سياسي، بل يدفع في اتجاه وحدة القارة، ليس من باب الهيمنة، بل من باب الاقتراح والتكامل. فإفريقيا، في رأيه، لم تعد تتحمل “الخطابات العقيمة” ولا “النوايا الحسنة فقط”، بل تحتاج إلى نتائج ملموسة.
إفريقيا بيد أبنائها أو لا تكون
“نحتاج إلى صدمة كهربائية للتكامل الإفريقي”، يقول بوريطة، مضيفًا أن هذه الصدمة لن تأتي من الخارج، بل من داخل القارة، ومن خلال أبنائها. ولهذا يدعو المغرب إلى تبني أجندة اقتصادية واقعية، تركز على الاستقلالية الاستراتيجية، وتحويل الموارد محليًا، والرقمنة، وتعزيز الأمن الغذائي، وتسهيل تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية.
وفي ختام كلمته، لخص بوريطة رؤية المغرب في ثلاثة مبادئ: التضامن الفعّال، والاحترام المتبادل، والعمل الملموس. “نحن نؤمن بإفريقيا ترسم سُبلها بنفسها، إفريقيا المشاريع والإنجازات، لا إفريقيا الوعود والتبريرات”.
فهل تكون هذه الرؤية المغربية بمثابة خريطة طريق لقارة تنهض بنفسها، وتفرض على العالم أن يراها كما هي: قارة فاعلة لا مفعول بها؟