كينيا تفتح سفارتها في الرباط… قراءة في تحوّل دبلوماسي إفريقي واعد

سومية العلكي

في خطوة تعبّر عن تحول ملموس في توجهات السياسة الخارجية لدولة كانت تُصنّف حتى وقت قريب ضمن داعمي أطروحة الانفصال في الصحراء المغربية، تستعد كينيا لافتتاح سفارتها في العاصمة الرباط، الاثنين المقبل، بحضور وزير خارجيتها موساليا مودافادي ونظيره المغربي ناصر بوريطة، وفق ما أوردته مصادر إعلامية كينية.

الخطوة تحمل دلالة سياسية بالغة، لا سيما في سياق التحولات التي تشهدها مواقف عدد من الدول الإفريقية تجاه قضية الصحراء، إذ يرى مراقبون أن هذه الخطوة ليست مجرد إجراء دبلوماسي بروتوكولي، بل تحمل في طيّاتها إشارات واضحة على احتمال مراجعة نيروبي لموقفها من هذا النزاع الإقليمي، وتبنّيها لتوجه أكثر توازناً يراعي مصالحها الاستراتيجية المتنامية مع الرباط.

صحيفة “ذي إيستلاي فويس” الكينية وصفت الحدث بـ”التحول الملحوظ” في موقف نيروبي تجاه الرباط، مؤكدة أن “افتتاح السفارة يعكس بداية مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، تنأى عن المواقف المتذبذبة السابقة، التي كانت تتأثر في الغالب بتجاذبات قضية الصحراء.”

السياسة الخارجية الكينية على مشارف تغيير استراتيجي

ويأتي هذا التطور بعد أيام من اعتماد الرئاسة الكينية لمسودة سياستها الخارجية الجديدة، التي خلت لأول مرة من أي إشارة إلى نزاع الصحراء، ما اعتبره مراقبون مؤشراً صريحاً على تراجع دعم كينيا العلني لجبهة البوليساريو، وهو ما من شأنه أن يسهم في تطبيع العلاقات مع المغرب، وبناء شراكات متقدمة في مجالات الأمن والتنمية والتعاون متعدد الأطراف.

في هذا السياق، يرى الدكتور البراق شادي عبدالسلام، الخبير في إدارة الأزمات وتحليل النزاعات، أن “ما حدث ليس طفرة عشوائية، بل تحصيل حاصل لجهود دبلوماسية مغربية دقيقة ومتواصلة، تتسم بالهدوء والعمق، وتترجم الرؤية الملكية الهادفة إلى توسيع قاعدة الحلفاء الأفارقة على أسس متينة من المصالح المشتركة.”

وأشار الخبير إلى أن نجاح هذه الدينامية يعود بالأساس إلى “حكمة صانع القرار المغربي، الذي استثمر في بناء ثقة طويلة الأمد مع كينيا، عبر مشروعات دبلوماسية واقتصادية وتنموية، ما جعل من العاصمة نيروبي بيئة خصبة لحوار متعدد المستويات، رغم تاريخها في دعم الطرح الانفصالي.”

تحولات إفريقية في ضوء رؤية مغربية هادئة

هذا التحول في الموقف الكيني يعكس أيضاً نجاح الدبلوماسية المغربية في تفكيك البنية الصلبة لمحاور معادية كانت تسعى إلى عزل المغرب إقليمياً، مستفيدة من مواقف تاريخية متجاوزة، لم تعد تنسجم مع معطيات العالم الجديد. فبينما ظلت الجزائر تضغط بكل الوسائل للحفاظ على نفوذها في هذا الملف، اختارت الرباط طريق التراكم والصبر الاستراتيجي، لتنتزع اليوم دعم قوى إفريقية كانت تُحسب سابقاً على معسكر الخصوم.

ويُذكر أن المغرب قد حقق اختراقاً كبيراً منذ اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على الصحراء سنة 2020، وهو ما فتح الباب أمام انخراط دول عديدة في مسار دعم مشروع الحكم الذاتي المغربي، باعتباره حلاً واقعياً وعملياً يحظى بدعم واسع النطاق.

وفي هذا الإطار، يبقى الاتحاد الإفريقي رهيناً لمعادلات سياسية دقيقة، إذ لا يزال يعترف بـ”الجمهورية الصحراوية” كعضو، لكن على الأرض، تتحدث الوقائع عن اتساع رقعة القنصليات الإفريقية في العيون والداخلة، باعتبارهما مدينتين مغربيتين تحت السيادة الكاملة للمملكة.

نيروبي والرباط… من التباعد إلى الشراكة

تشكّل نيروبي إحدى أهم العواصم الإفريقية في ما يُعرف بالدبلوماسية متعددة الأطراف، حيث تستضيف عدداً من الوكالات الأممية والمقار الإقليمية الكبرى، ما يمنح وجود المغرب فيها قيمة استراتيجية تتجاوز العلاقات الثنائية إلى التأثير على مراكز القرار في القارة.

ولعلّ قرار كينيا بفتح سفارة في الرباط يمثل تتويجاً لمسار طويل من العمل الهادئ، ويبعث برسالة واضحة إلى من يهمه الأمر، المغرب لا يكتفي بردود الأفعال، بل يبني تحالفاته على أرضية صلبة من الشراكة والاحترام المتبادل، ويواصل تعزيز حضوره القاري بثبات ورؤية مستقبلية متبصرة.

وفي انتظار الموقف الرسمي من نيروبي بخصوص نزاع الصحراء، يبدو أن قطار التغيير قد انطلق… ومن اختار البقاء في محطة الخطابات القديمة، قد يجد نفسه خارج سياق التاريخ.

هل ترغب بنسخة مختصرة لوسائل التواصل أو لموقع إلكتروني؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: