الجزائر: الديمقراطية على المقاس… وبحسب التسعيرة!

يوسف لفرج

في زمن مضى، كان الترشح للرئاسة يتطلّب مشروعًا سياسيًا، قليلًا من الكاريزما، وربما شيئًا من الجرأة. أما في الجزائر، نسخة 2024، فقد أصبح الأمر أبسط بكثير، كل ما تحتاجه هو رزمة نقود، وبعض المنتخبين المحليين الذين يعرفون جيدًا معنى “المصلحة المتبادلة”.

فقد أصدرت محكمة جزائرية، يوم الاثنين، أحكامًا بالسجن عشر سنوات في حق ثلاثة طامحين إلى قصر المرادية، ليس لأنهم انقلبوا على النظام أو حرّضوا الشعب، بل لأنهم ببساطة قرروا تسريع “جمع التوقيعات” باستخدام العملة الوطنية كوسيلة إقناع. ومن بين المدانين ، سيدة الأعمال “ذات الأيادي البيضاء” سعيدة نغزة، والوزير السابق ورئيس حزب التحالف الوطني الجمهوري بلقاسم ساحلي، ورجل الأعمال عبد الحكيم حمادي، الذي يبدو أنه حاول أن يشتري طريقه إلى الرئاسة كما يشترى مصنع أو صفقة عقارية.

الغريب في الأمر، أن المحكمة رغم الأحكام الثقيلة، لم تأمر بإيداعهم السجن. نعم، يمكنهم الاستمرار في تناول القهوة الصباحية في منازلهم، بينما يستعد محاموهم لاستئناف الحكم. العدالة الجزائرية، بطابعها الحنون، توفّر دائمًا خيار “ابقَ في بيتك حتى إشعار آخر”.

لكن هؤلاء ليسوا وحدهم في الميدان. نحو سبعين شخصًا آخر، معظمهم منتخبون محليون، نالوا أيضًا نصيبهم من الأحكام، بعدما قبلوا “توقيع أوراق الترشح” مقابل مبالغ تراوحت بين 20 و30 ألف دينار (أي أقل من 200 يورو، ديمقراطية اقتصادية بامتياز!). حتى أبناء سعيدة نغزة لم يُعفوا من العقاب، فصدرت ضدهم أحكام تراوحت بين 6 و8 سنوات، مع فرار أحدهم إلى الخارج. ومن هناك، نشر بيانًا عبر فيسبوك يخاطب فيه القاضي ،  “أخطأت يا سيدي القاضي حين وثقت بكم”. عجيب! كأننا أمام مشهد من مسلسل تركي، حيث تتحول المحكمة إلى منبر للشعر والمرافعة العاطفية.

جدير بالذكر أن شروط الترشح للرئاسة في الجزائر تتطلب جمع 600 توقيع من منتخبين في 29 ولاية على الأقل، أو 50 ألف توقيع من المواطنين، بشرط توزيعها العادل بين الولايات. وفي بلد تُشترى فيه التوقيعات كأنها بطاطا في السوق، يبدو أن الطريق إلى كرسي الرئاسة لا يمر عبر صناديق الاقتراع، بل عبر دفاتر الشيكات.

من بين 16 مرشحًا تقدموا، تم قبول 3 فقط. ومن بينهم عبد المجيد تبون، الذي لا يحتاج لتعريف، ولا لتوقيعات مدفوعة، فهو المرشح الأبدي لكل انتخابات، أكانت حقيقية أم تجميلية.

ما حصل ليس فضيحة سياسية فحسب، بل تأكيد جديد على أن النظام الانتخابي الجزائري لا يزال يرفض مغادرة مسرح العبث. فالترشح ليس حقًا، بل صفقة. والناخب ليس مواطنًا، بل زبونًا أو “مُزكٍّ بالإيجار”.

خلاصة القول، في الجزائر، لا تترشح لأنك أهل للمنصب، بل لأنك قادر على دفع المقابل. أما الديمقراطية؟ فهي بخير… شرط أن تدفع مقدّمًا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: