هارفارد في مرمى النيران: ترامب يحاصر “القوة الناعمة” بالمقصّ والمزاج الرئاسي
حنان الفاتحي
من كان يظنّ أن جامعة هارفارد، تلك القلعة الأكاديمية التي خرّجت رؤساء وعباقرة ومبتكري تطبيقات تجعلنا نتوه عن واقعنا، ستتحول يوماً إلى هدف مشروع في حرب دونالد ترامب ضد ما يسميه “اليسار المتوحش”؟ نعم، يبدو أن الرئيس العائد إلى البيت الأبيض لم يكتفِ بجدوله المزدحم بالحروب التجارية والتغريدات الغاضبة، فقرر أن يضيف إلى قائمته معركة جديدة ، معركة ضد الطلاب الأجانب والعقول المزعجة التي تفكر كثيراً.
الإدارة الأميركية، في أحدث عروضها المسرحية، قررت منع تسجيل طلاب أجانب في جامعة هارفارد، في خطوة تجعل عبارة “أميركا أرض الفرص” تبدو وكأنها من إنتاج ديزني، وليس من واقع السياسات الفيدرالية.
الرسالة واضحة: إذا كنتَ طالباً أجنبياً تطمح للدراسة في الولايات المتحدة، فربما عليك مراجعة طموحاتك. وربما التفكير في هونغ كونغ، التي سارعت إلى فتح ذراعيها لكل من لفظته أبواب الجامعات الأميركية.
الرئيس ترامب، الذي يخوض منذ عودته معركة شاملة ضد برامج التنوع والتعدد الثقافي، يبدو عازماً على تحويل شعار “أميركا أولاً” إلى “أميركا فقط”، ولو على حساب صورتها الدولية ونفوذها الأكاديمي. قراراته الأخيرة لا تقتصر فقط على التعليم، بل تمتد إلى السينما والثقافة والمساعدات الخارجية. حتى مؤسسة سميثسونيان لم تسلم من “غربلة الأيديولوجيا”، في محاولة لتقليص تأثير “اليسار الثقافي” كما يسميه هو، وكما لا يفهمه أحد.
لكن الغريب – أو المثير للسخرية – أن ترامب يقطع في الوقت نفسه الشرايين التي تغذي القوة الناعمة الأميركية. هذه القوة التي عرّفها جوزيف ناي (الذي رحل مؤخراً ربما عن قصد، قبل أن يرى ما يجري) بأنها القدرة على الجذب دون ضغط، ها هي تُستبدل بسياسة “الطرد دون حرج”.
السيناتورة جين شاهين لم تخفِ امتعاضها، مشيرة إلى أن الطلاب الأجانب لا يساهمون فقط في دفع الإيجارات الفلكية حول كامبريدج، بل يساهمون أيضاً في دعم الاقتصاد الأميركي والوظائف وحتى سمعة البلاد نفسها. لكن، كما يبدو، فإن هذه السمعة ليست على قائمة أولويات الإدارة الحالية، طالما أن هارفارد لا تخرّج نُسخاً مطابقة لمضيفي فوكس نيوز.
وإذا كان فيلم “ميشن إمبوسيبل” قد تضرر بسبب ضرائب ترامب على الأفلام المصوّرة بالخارج، فإن المهمة المستحيلة الحقيقية الآن هي إقناع العالم بأن الولايات المتحدة لا تزال منارةً للحرية الأكاديمية والانفتاح الثقافي.
في زمن ترامب، حتى القوة الناعمة تحتاج إلى تصريح إقامة. أما الطلاب الطموحون من آسيا وإفريقيا، فعليهم أن يعيدوا النظر، قد لا تكفي درجاتهم العالية بعد الآن، بل عليهم أيضاً اجتياز اختبار الولاء لمفهوم “أميركا أولاً”، وإثبات أنهم لن يتحوّلوا، بعد التخرج، إلى “يساريين رائعين بلا وظائف”، كما قالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية، في عرض نادر من الصراحة الرئاسية.
ولأن المحكمة علقت القرار مؤقتاً، فإن جامعة هارفارد – لحسن الحظ – ما تزال تستقبل طلابها، وإن كان بوجه متجهم وقلق من المستقبل.
فالعقول اللامعة مرحّب بها… حتى إشعار آخر.
هل ترغب في تعديل النبرة لتكون أكثر تهكمًا أو أكثر تحفظًا بحسب المنصة المستهدفة؟