تحقيق | الزواج من أجل الوثائق: حين تتحوّل نساء الجالية المغربية إلى جسر عبور نحو أوروبا
بوشعيب البازي
في صمت مؤلم، تتكرر المأساة نفسها بين أوساط الجالية المغربية في أوروبا: نساء يُقدمن على الزواج برجال من المغرب، يحملن لهم الأمل، ويمنحنهم الدعم والسكن والعمل، فقط ليجدن أنفسهن بعد أشهر أو سنوات ضحايا استغلال عاطفي ومادي هدفه الأساسي: الحصول على أوراق الإقامة.
وراء كل وثيقة زواج صُدّقت في القنصلية، قصة حب مُفترضة، وحلم أسرة مشتركة. لكن كثيراً ما يتحوّل ذلك الحلم إلى كابوس، حين تُستخدم المرأة كوسيلة عبور مؤقتة نحو “الفردوس الأوروبي”، لا أكثر.
وعد بالحب… وواقع من الخديعة
“استقبلته كزوج، وانتهى بي الأمر كمجرد سلّم لهجرته”، تقول ن.أ.، المقيمة في بلجيكا منذ 15 سنة. “وفّرت له كل شيء: السكن، فرصة عمل، حتى الوثائق. وما إن حصل على الإقامة، حتى بدأ يختلق المشاكل، وانتهى الأمر بطلاق وطفلين لا يسأل عنهما”.
مثل هذه الشهادات تتكرر، وتحكي عن رجال يتظاهرون بالحب والالتزام، ويعِدون ببناء أسرة، فقط لاستخدام عقد الزواج كجواز عبور. وبعد حصولهم على الوثائق، يتحوّلون إلى غرباء، أو حتى خصوم أمام القضاء.
الأطفال… ضحايا بلا ذنب
في كثير من هذه الحالات، يكون الأطفال هم الحلقة الأضعف. يولدون في ظروف تُوصف قانونياً بـ”الشرعية”، لكن حياتهم تمضي في ظل أب غائب أو غير مبالٍ، وأم منهكة تحاول ترميم ما تبقى من الثقة والحياة.
“ابني يسألني: أين أبي؟ كيف أشرح له أن والده تزوجني فقط ليحصل على بطاقة الإقامة؟”، تتساءل س.، مهاجرة مغربية في ضواحي باريس.
زواج تقليدي… بنوايا احتيالية
وراء هذه القصص المؤلمة تقف ممارسات تستغل مفاهيم اجتماعية مثل “صلة الرحم” و”الزواج الحلال”. كثير من الرجال، بتواطؤ مع أسرهم أحياناً، يختارون نساءً من الجالية – غالباً مطلقات أو أرامل – بدعوى الرغبة في الاستقرار. والهدف الخفي: الوصول إلى أوروبا بأقل تكلفة وبأسرع الطرق.
بعض هؤلاء الرجال يخفون علاقات سابقة أو حالية، وينسحبون بمجرد تسوية أوضاعهم القانونية، تاركين خلفهم نساء محطمات، وأبناء بلا سند.
الصمت… لم يعد خياراً
لوقت طويل، كانت هذه القصص تُحكى همساً، داخل الجلسات العائلية أو عبر رسائل مكتومة في مواقع التواصل. لكن اليوم، بدأت نساء كثيرات في كسر حاجز الخوف، والتحدث علناً عن تجاربهن، وتأسيس مجموعات دعم على منصات رقمية مختلفة.
“لم أعد أشعر بالخجل، بل بالغضب. لقد كنت ضحية نصب شرعي. وأنا لست وحدي”، تقول ك.ر.، التي تطوعت لمساعدة نساء أخريات في الوضع نفسه.
قلق متزايد… وثقة مفقودة
بسبب تكرار هذه الظاهرة، أصبح هناك امتناع صريح من نساء الجالية عن الزواج برجال من المغرب لا يتوفرون على وثائق إقامة. فالمخاوف من التعرض للخداع أو الاستغلال طغت على مشاعر الحنين إلى الوطن أو الإحساس بالواجب الأسري.
“أفضل أن أبقى عزباء على أن أكون ضحية رجل يتزوجني لبلوغ هدفه فقط”، تقول ف.، ممرضة مقيمة في ألمانيا.
غياب قانوني وحماية منعدمة
رغم وجود نصوص قانونية تجرّم الزواج الاحتيالي، إلا أن إثبات النية المسبقة للحصول على الإقامة يظل صعباً من الناحية القانونية. كما أن مؤسسات الدولة – سواء في بلد الإقامة أو في المغرب – غالباً ما تتعامل مع هذه القضايا كمسائل شخصية، لا كظاهرة اجتماعية تستحق التحقيق والتدخل.
الزواج من أجل الأوراق لا يُعد فقط احتيالاً عاطفياً، بل اعتداء على قيم الأسرة، وتلاعباً بمصير النساء والأطفال. في ظل صمت رسمي، وغياب آليات الحماية، يبقى الأمل معقوداً على الوعي المجتمعي، والتضامن النسائي، لكسر الحلقة الجهنمية لهذا النوع من العلاقات السامة، التي تُستخدم فيها المرأة كجسر… ثم تُنسى.