مخيمات تندوف: من مشروع دولة إلى مشروع دولة خلافة؟

بوشعيب البازي

من كان يظن أن مخيمات تندوف ستتحول في يوم من الأيام من فضاء “لتقرير المصير” إلى حقل تجارب للتطرف الديني والجهادي؟ من كان يتخيل أن الجبهة الانفصالية التي طالما رفعت شعار “الشعب الصحراوي” ستنتهي بحمل السلاح إلى جانب تنظيمات تكفيرية، في مشهد أقرب إلى كاريكاتور هزيل من فيلم هوليودي سيّء الإخراج؟

ففي وقت تكافح فيه دول المنطقة للبقاء على قيد الاستقرار، تكشف تقارير أمنية ومخابراتية أن جبهة البوليساريو لم تعد فقط عبئًا سياسيا على الأمم المتحدة، بل أصبحت صداعًا أمنيا في رأس الساحل وشمال أفريقيا بأكملها. ولم لا؟ فحين يتحول “المخيم الإنساني” إلى معسكر تدريبي، وتصبح “القضية العادلة” جسرا نحو فكر متطرف، فالمنطق الوحيد المتبقي هو منطق الفوضى.

ديبلوماسية الكلاشينكوف

مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، السيد الشرقاوي حبوب، لم يتردد في وصف الأمور كما هي: مخيمات تندوف باتت بؤرة للتطرف، وشبابها الأكثر عرضة للتجنيد. بل ذهب أبعد من ذلك ليكشف عن انخراط ما يقارب 100 عنصر من الجبهة في جماعات متشددة. وهي معلومة تثير سؤالًا بسيطًا: هل لا تزال البوليساريو “حركة تحرير” أم تحوّلت إلى حركة “تفجير”؟

ولأن الحدث جلل، فالخبراء يتوالون: هشام معتضد يرى أن إدراج الجبهة في قائمة التنظيمات الإرهابية بات مسألة وقت، خاصة مع تكاثر الأدلة والممارسات. السيناتور الأمريكي جون ويلسون دخل هو الآخر على الخط، مشيرًا إلى تقاطعات البوليساريو مع أجندات إيران في المنطقة، ما يعني أننا قد نكون بصدد بوليساريو بنكهة الحرس الثوري.

من تندوف إلى داعش… مرورا بـ”عدنان الصحراوي”

التحولات ليست حديثة، لكن السكوت عنها كان فادحًا. عدنان أبو الوليد الصحراوي، الذي قضى سنواته الأولى في مخيمات تندوف، تحول لاحقًا إلى أحد أبرز القادة الإرهابيين في الساحل، موقّعًا على عمليات دموية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وفي خلفية هذه السيرة، جبهة بوليساريو تشغل دور “الراعي الروحي الصامت”، أو لنقل “الأم الرؤوم للفكر المتطرف”.

وفي سردٍ أشبه بملف أسود، تتوالى الأمثلة: شاب تم توقيفه في مدينة العيون سنة 2018، خُطِّط له أن ينفذ عمليات إرهابية بعد تلقّيه تطرفًا مكثفًا داخل المخيم. خلية “المرابطون الجدد” التي تم تفكيكها ما بين 2008 و2015، والتي ضمّت انفصاليين كان لهم حلم مشترك: الاستقلال عن المغرب… ثم الانضمام إلى القاعدة.

الانفصال، بوابة التطرف الجديد

الجبهة التي صدّعت رؤوس العالم بـ”تقرير المصير”، صارت تتقاطع أيديولوجيًا مع من يرون في الديمقراطية كفرًا، وفي الحداثة انحرافًا. من البوليساريو إلى “الدولة الإسلامية”، ليست المسافة إلا وهمًا، فالتجنيد واحد، والشعارات ثورية من الخارج، ظلامية من الداخل.

والأخطر من ذلك، أن تندوف لم تعد فقط صداعًا مغربيًا، بل قنبلة موقوتة تهدد الجزائر قبل غيرها، وتنذر بتفكك إقليمي في ظل التواطؤ أو الصمت المريب.

أي دور للمجتمع الدولي؟ أو حين يصير النفاق سياسة

المجتمع الدولي لا يزال يتعامل مع البوليساريو وكأنها جمعية كشافة تبحث عن أرض مخيم. بينما الوقائع، والمعلومات، والشهادات، كلها تؤكد أن هذه “الجبهة” تحوّلت إلى معمل للتطرف، ولعبة قذرة في سوق المزايدات الجيوسياسية.

فهل ينتظر العالم تفجيرًا داخل إحدى العواصم حتى يتحرك؟ أم أن “الإرهاب بالبطاقة الرمادية” مقبول ما دام لا يطال العواصم الغربية؟

آن الأوان أن نكفّ عن مجاملة الإرهاب باسم السياسة

قد تكون تندوف اليوم مجرد بقعة منسية في خريطة العالم، لكنها في قلب الجريمة الأمنية المقبلة. تفكيك هذه المخيمات ليس فقط شأنًا مغربيًا، بل ضرورة دولية. فحين تصير “القضية الصحراوية” حاضنة لداعش، لم يعد من المنطق أن تُعامل بمنطق حقوق الإنسان، بل بمنطق أمن الإنسان.

هل ترغب أن أرفق لهذا المقال عنوانًا فرعيًا وسطرًا افتتاحيًا يصلحان للنشر على الصفحة الأولى لصحيفة ورقية أو إلكترونية؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: