في الوقت الذي لا تزال فيه بعض الأحزاب المغربية تبحث عن “هوية ضائعة” بين المرجعيات الكونية والشعارات الموسمية، خرجت فكرة تأسيس حزب بمرجعية أمازيغية إلى الواجهة، لتقلب الطاولة على مشهد سياسي اعتاد أن “يفطر على اليسار ويتعشى على اليمين”، ولا يمانع أحيانًا في قيلولة قومية بين الوجبتين.
الجدل بلغ مداه، كما هي العادة في كل ما يخص الأمازيغية: هل هي قضية وطنية جامعة أم بطاقة هوية حزبية؟ هل تحتاج إلى حزب خاص بها أم إلى “تمزيغ” شامل لكل الأحزاب من الداخل، بما في ذلك مناضليها وأوراقها وشعاراتها وأختامها؟
أنصار الفكرة يرون في الحزب الأمازيغي طوق نجاة للهوية من الغرق في بحر الشعارات، ومشروعًا حضاريًا لإعادة التوازن لمشهد حزبي يشكو منذ سنوات من فقر في الإبداع وتخمة في التنازلات. أما خصوم الفكرة، فيرون فيها تقزيما لقضية أكبر من أن تُحشر في مقر حزبي ذي نوافذ ضيقة وبيان تأسيسي مطبوع على عجل.
وفي ظل دستور 2011، الذي اعترف بالأمازيغية كلغة رسمية، قد يُخيل للبعض أن الطريق أصبحت سالكة لتجسيد هذا الاعتراف في حزب سياسي. لكن هيهات! فالسياسة في المغرب تشبه وصفة الكسكس يوم الجمعة: الجميع يدّعي أنه صاحب الخلطة، والكل يطالب بنصيبه، بينما الطاجين الفعلي لا يظهر إلا في موسم الانتخابات.
المدافعون عن “التمزيغ من الداخل” يصرون على أن الحل يكمن في الضغط على الأحزاب القائمة لتبني القضية الأمازيغية بجدية، بدل الاكتفاء برقصة أحواش في المهرجانات الخطابية، أو إضافة حرف “ⴰ” إلى العناوين الانتخابية. بينما يرد عليهم أنصار الحزب الجديد بأن الأحزاب القديمة “تمغرت” في النشرات الإخبارية فقط، بينما ظل الواقع كما هو: لغة الأمازيغية لا تزال تُكافح في الإدارات، وتُختزل في لافتات منمقة و”تيفيناغ” يتيم.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل المغرب بحاجة إلى حزب أمازيغي، أم إلى مغرب سياسي يعترف بكل مكوناته دون حاجة إلى تراخيص جديدة؟ وهل نحن أمام لحظة تأسيس أم مجرد زوبعة في فنجان “التموقعات السياسية”؟
في انتظار أن تحسم وزارة الداخلية في الأمر، وأن تعلن الأحزاب الأخرى موقفها، نكتفي نحن بالمراقبة… وبالضحك أحيانًا. فبعض النقاشات، رغم جديتها، لا تخلو من لمسة كوميدية: كأن تتحدث عن التنوع وأنت في حزب لا تنوع فيه إلا في درجة الصمت!
أما الأمازيغية، فتبقى أكبر من حزب، وأعمق من شعار، وأقدم من كل بيانات التأسيس. هي ببساطة، الأصل الذي ما زال يبحث عن فروعه.