واشنطن والبوليساريو: حين يُصبح الإرهاب بطابع صحراوي مموّل بالغاز الجزائري
بقلم: بوشعيب البازي
في مقال يبدو أنه لم يُكتب على عجل ولا بمداد الحياد، خرج علينا رجل الاستخبارات الأمريكي السابق روبرت جرينواي، يرافقه باحث متخصص اسمه أمين غوليدي، بتوصيف من العيار الثقيل: جبهة البوليساريو، التي تحظى برعاية جزائرية سخية، ينبغي أن تُصنّف منظمة إرهابية. لا بسبب تغريداتها، بل لأنها – حسب المقال – باتت تُحلّق في سماء الساحل بطائرات إيرانية، وتقبض ضرائب مرور على قوافل التهريب كما لو كانت سلطة جمارك بديلة… لكن مسلّحة.
بوليساريو درونز: مشهد جديد في “صحراء بلا قانون”
تخيل معي هذا المشهد السريالي: مقاتل صحراوي يلبس “كندورة”، يحمل جهاز تحكم بطائرة مسيّرة إيرانية الصنع، يراقب من السماء شحنة مخدرات تمرّ في ممر مهترئ وسط الصحراء، بينما يتنقل وكلاء فاغنر الروس تحت سماء الجزائر الحامية، في تنسيق “لوجستي” يذكّرنا بأفلام العصابات… لكن بإنتاج دولي.
في مقال The Daily Signal، يدعونا الخبيران الأمريكيان إلى الكفّ عن غضّ الطرف، والتوقف عن التعامل مع البوليساريو كما لو أنها حركة كاريكاتورية ذات نوايا انفصالية رومانسية، ويقترحان تسميتها باسمها الحقيقي حسب ما يقولان: ميليشيا مسلّحة تمارس الإرهاب على الحدود الجنوبية لحلف الناتو.
الجزائر… شريك غاز وراعٍ رسمي للهواية الإرهابية؟
المقال، وإن كان يسلّط الضوء على البوليساريو، إلا أن الرائحة التي تفوح من بين السطور جزائرية بامتياز. فصديقنا الضابط جرينواي، الذي يعرف خبايا العالم السفلي أكثر من خريطة واشنطن، يُشير ضمناً إلى أن الجزائر لا تموّل فقط قوافل المؤتمرات، بل أيضاً قوافل التهريب، وأن الجبهة التي ترعاها وتحتضنها تحت شعار “تقرير المصير”، باتت قنبلة موقوتة في خاصرة الساحل.
والسؤال هنا: هل تدرك الجزائر أن وكلاءها – أو ضيوفها السياسيين – باتوا يتجولون بطائرات إيرانية الصنع، في أجواء يفترض أنها خاضعة لسيادتها؟ أم أن “السيادة” نفسها أصبحت قابلة للتأجير، مثل خزانات الغاز التي تذهب شمالاً لتدفئة أوروبا بينما الجنوب يغلي بالإرهاب؟
أمريكا… والاختبار الأخلاقي جنوب المتوسط
المقال يطرح على إدارة واشنطن سؤالاً بسيطاً: هل أنتم جادّون في مكافحة الإرهاب، أم أن تصنيف “منظمة إرهابية” لا يُطلق إلا على من يعارض مصالحكم لا من يتعامل مع خصومكم؟
إن كان استخدام الدرون الإيراني، والتنسيق غير المباشر مع الروس، وفرض “ضرائب إرهابية” على طرق التهريب لا يكفي لتصنيف البوليساريو ضمن خانة الإرهاب، فما الذي ننتظره؟ أن يظهر زعيم الجبهة في فيديو من كهف صحراوي يتبنى هجوماً على قاعدة عسكرية؟
البوليساريو كـ”تابلت” جزائري في يد طهران وموسكو
المثير في الطرح الأمريكي أنه يُخرج البوليساريو من إطارها المألوف كحركة انفصالية، ويُقدّمها كأداة متعددة الاستخدامات: تعارض المغرب، تزعج أوروبا، وتخدم أجندات إيران وروسيا، وكل ذلك تحت عباءة “تقرير المصير”، وكأننا أمام تطبيق مفتوح المصدر، تعدّل عليه الجزائر حسب الحاجة، وتستثمره موسكو وطهران حسب الظرف الجيوسياسي.
في الختام… طائرة مسيرة لا تكتب الدستور
قد يُجادل البعض بأن المقال لا يخلو من التوظيف السياسي، لكن الأكيد أن تحوّل البوليساريو من شعار إلى طائرة بدون طيار، ومن مطلب انفصال إلى دور وظيفي في شبكة تهريب دولية، يطرح أسئلة أخلاقية وأمنية على الجميع… من الجزائر إلى واشنطن مروراً ببروكسيل.
وفي انتظار أن ترد الخارجية الجزائرية كالعادة بـ”رفضها القاطع لهذه الادعاءات”، واتهام المقال بـ”خدمة أجندة إمبريالية”، يبقى الواقع على الأرض أكثر تعقيداً من أي خطاب خشبي. فحين يختلط الغاز بالبارود، لا أحد يضمن أن يبقى الحريق محصوراً في الرمل.