فرنسا… حيث الحجاب صار جريمة وقطعة قماش تُهدد الجمهورية!

حنان الفاتحي

في بلاد الأنوار، حيث تُرفع شعارات “الحرية، المساواة، الإخاء”، يبدو أن قطعة قماش صغيرة تُربك النظام العام وتهز أركان الجمهورية. آخر ابتكارات حزب “النهضة”، حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، اقتراح قانوني يمنع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة للفتيات دون سن 15. نعم، لم يعد المنع مقتصرا على المدارس كما في السابق، بل صار يشمل الشوارع، والمقاهي، والمتاجر، وربما قريبا الشرفات ونوافذ السيارات!

الذرائع التي يسوقها الحزب الحاكم لا تخرج عن القاموس الفرنسي المألوف: حماية الأطفال من “الإكراه”، وتحقيق “المساواة بين الجنسين”. والحقيقة أن هذا النوع من “الحماية” يُشبه إلى حد كبير رعاية القط للحمام، أو إنقاذ السمك من الغرق.

المقترح الجديد، المُعبّأ بنَفَس الجمهورية الكمالية، لا يُخفي هوس النخبة السياسية الفرنسية بكل ما يمتّ للإسلام بصلة، ولو كان منديل رأس ترتديه طفلة لم تبلغ بعد سن الثانوية. فبعد أن اجتهدت الحكومات المتعاقبة في تنظيم حياة المسلمين داخل المساجد، صار طموحها الآن تنظيم حياتهم داخل بيوتهم، ومحاسبتهم على ملابس أطفالهم. أما الخطوة المقبلة، فقد تكون إصدار دليل رسمي للألوان المسموح بها في اللباس، وربما تحديد عدد مرات الذكر المسموح بها في اليوم تفادياً “لتطرّف القلب”.

والأطرف من كل ذلك، أن الحزب ذاته يزعم أن حظر الحجاب سيمنح الفتاة “حرية الاختيار”، عبر إجبارها قانونياً على خلعه… منطق لا يمكن إلا أن يولد في حضن “الديمقراطية الانتقائية”، حيث الحريات توزَّع حسب مقاس الجمهورية، لا حسب قناعة المواطن.

في الوقت الذي تواجه فيه فرنسا أزمة تضخم خانقة، وتراجعاً في القدرة الشرائية، واحتجاجات اجتماعية لا تنتهي، يُصرّ بعض السياسيين على تحويل الحجاب إلى قضية وجودية، وكأن كل مشاكل البلاد ستحلّ بمجرد كشف شعر فتاة لم تبلغ بعد.

هكذا تحوّلت الجمهورية إلى خيّاط فاشل، بدل أن ترقّع نسيجها الاجتماعي الممزق، راحت تُقصّ أطراف الحجاب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: