عودة “الجنرال حسان”: الجزائر تغيّر جنرالاتها كما تغيّر الطرابيش… فهل تتغيّر السياسات؟

بوشعيب البازي

في الجزائر، لا يُقال للجنرالات “شكراً على الخدمة”، بل يُقال لهم: “إلى اللقاء في مهمة قادمة!”، حتى لو كانت المهمة بين جدران زنزانة عسكرية لسنوات. وهكذا يعود إلينا الجنرال المتقاعد عبدالقادر آيت أوعرابي، المعروف بلقب “حسان”، ليس من مصيف ريفيرا ولا من تقاعد مريح في أعالي العاصمة، بل من غياهب المحاكم العسكرية، ليعتلي صهوة جهاز الأمن الداخلي، خلفاً للجنرال عبدالقادر حداد، الشهير بـ”ناصر الجن”.

نعم، “حسان” عاد. لا ندري إن كانت عودته بالتصفيق أو بالتصفيح، لكن المؤكد أنها جاءت في توقيت لا يُفهم منه إلا شيء واحد: السلطة في الجزائر تُغيّر أدواتها، دون أن تغيّر يدها. فهل نحن أمام إصلاح أمني حقيقي؟ أم أن اللعبة القديمة تعود بوجوه معروفة وقصات شعر عسكرية محفوظة في الأرشيف؟

الجنرال العائد… من ملف إلى ملف

الجنرال حسان ليس جنرالاً عادياً، بل هو أسطورة حية، أو ميتة سياسياً، أُعيد إحياؤها بقرار رئاسي لا يخلو من “نوستالجيا أمنية”. الرجل خَبِرَ الصحراء كما خَبِرَ دهاليز التنظيمات المسلحة، وكان، كما يُشاع، يعرف الإرهابيين بالاسم والحذاء والموديل. ورغم أنه أُدين سنة 2015 بتهم لا توجه إلا لشخص يعرف “الكثير”، كإتلاف وثائق ومخالفة أوامر عسكرية، إلا أن السلطات تذكرت فجأة أن لديها “جوهرة أمنية” في خزائن النسيان.

وعاد حسان، لا حبًّا في الوطن، بل لأن الوطن – أو بالأحرى من يحكم الوطن – احتاجه لتبريد الجبهة مع فرنسا وتسخين الملفات في الساحل. وبهذا، يصبح الرجل أول جنرال في التاريخ الحديث يُسجن لأنه “أكثر كفاءة من اللازم”، ثم يُعاد توظيفه لنفس السبب!

ناصر الجن… ضحية المبدأ؟

أما زميله المغادر “ناصر الجن”، فقد غادر بصمت يُخفي عاصفة. يُقال إنه لم يكن يحب فرنسا، بل يراها مجرّد “مستعمر سابق لا يستحق المجاملة”. ويُقال أيضاً إنه بالغ في كراهيته لدرجة أوقفت كاتباً فرانكوجزائرياً فقط لأنه “فرنكوفوني أكثر من اللازم”. والنتيجة؟ دخل العلاقات الجزائرية الفرنسية في نفق لم تنفع فيه لا الإيفوارات الدبلوماسية ولا سجلات التاريخ.

فرنسا، بطريقتها اللطيفة المعتادة، أرسلت رسالة غير دبلوماسية عبر الصحافة، تطلب فيها رأس “ناصر الجن”. والجزائر، بحسها الاستراتيجي العالي، لبّت الطلب دون أن تنسى أن ترسل بديلاً… من الأرشيف!

زهير بوعمامة… أكاديمي وسط الجنرالات

ولكي لا يُقال إن كل شيء في الجزائر يُدار بالبذلة العسكرية، جاء تعيين الدكتور زهير بوعمامة، أستاذ العلوم السياسية ومستشار الرئاسة الجديد. رجل مدني في قاعة انتظار الجنرالات. هل هو تجميل مدني أم تكميل صوري؟ الله أعلم، لكن وجوده قد يساعد في تلطيف المشهد، أو على الأقل في تحرير بيانات النفي بخط أنيق وبلاغة أكاديمية.

الجزائر تغيّر الجلد… لكن الأنياب نفسها

في النهاية، لا تبدو التغييرات الأخيرة سوى إعادة تدوير لمنظومة اعتادت إدارة الأزمات بنفس الأشخاص والوسائل، بينما تتغير التحديات من حولها. الروس على الأبواب، الأتراك في الميدان، والعسكر في الساحل يعزفون على نغمة الانقلابات. وسط كل هذا، تعود الجزائر إلى دفتر الجنرالات العتيق بحثاً عن وصفة كانت ناجحة في التسعينيات… لكنها اليوم قد تكون منتهية الصلاحية.

هل تنجح العودة الكبرى للجنرال “حسان” في إعادة بناء شبكة المخابرات الداخلية؟ أم أننا سنشهد فصلاً جديداً من مسرحية “تغيير الوجوه للإبقاء على النهج”؟

الجواب في يد التاريخ… أو في منشور فيسبوكي من رئاسة الجمهورية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: