شهادات عليا بـ”التحويل البنكي“: الجامعة المغربية تدخل عصر “الدبلوم عند الطلب”
بوشعيب البازي
في بلاد يُفترض أن تُوزَّع فيها الشهادات على أساس الجهد والبحث، لا على أساس الرصيد البنكي ودرجة القرب من الأستاذ، تفجرت أخيراً فضيحة من العيار الأكاديمي الثقيل في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة ابن زهر بأكادير، حيث اكتُشف أن “التحصيل العلمي” أصبح – عند البعض – مجرّد صفقة تُعقد بعيداً عن المدرجات، وأقرب إلى المقاولات العائلية.
ماستر في “الاحتيال الأكاديمي”… مع مرتبة الشرف
لجنة تفتيش مركزية حلّت بالكليّة كمن يدخل ورشة لصناعة الشهادات، لا مؤسسة تعليم عالٍ. مهمتها؟ فحص كيف تحوّلت هذه المؤسسة إلى مصنع دبلومات يشتغل وفق الطلب، وكيف أن بعض الطلبة نالوا شهادات دون أن يكلّفوا أنفسهم حتى عناء الحضور… أو فتح كتاب.
الأستاذ المشتبه فيه – والذي يبدو أنه فهم “تيسير سبل التعلم” بطريقة خاصة – قاد، حسب التحقيقات، شبكة لتوزيع “النجاح المضمون”، مقابل ما تيسّر من مال. فبين ماستر يتم القبول فيه دون مباراة، ودكتوراه تنالها وأنت جالس في مقهى الحي، أصبح الحرم الجامعي أقرب إلى “بازار أكاديمي” مفتوح على كل الطامحين… ممن يملكون الرقم السري لحساباتهم البنكية.
لجان تحقيق… وشهادات تفتيش
اللجنة، التي تضم مسؤولين وخبراء في التدبير الجامعي، دخلت في أعماق الملفات كما يدخل أخصائي أشعة إلى جسد مريض مزمن: بدقة… وبقلق. تدقيق في طرق التسجيل، مباريات الماستر، لوائح الانتقاء، علاقات الأستاذ بالتسجيلات المفاجئة، وحتى “ظهور” طلبة في لوائح التخرج دون أن يراهم أحد في المدرجات!
وقد شملت جلسات الاستماع عميد الكلية وأطرافاً من الطاقم الإداري، وسط تساؤلات عن دور “الصمت المؤسسي”، وهل كانت الأمور تسير بـ”التغافل النبيل” أم بـ”المشاركة الخفية”؟
من الشهادات العلمية إلى الشهادات القضائية
وفي انتظار أن تُصدر اللجنة تقريرها النهائي الذي قد يحمل صفة شهادة وفاة لـ”النزاهة الأكاديمية”، أكدت جامعة ابن زهر – بمنتهى الثقة – أن الدراسة مستمرة “بشكل عادي”، وأن التقويمات جارية، وأن كل شيء على ما يُرام… باستثناء طبعا، تلك “الرتوش الصغيرة” المتعلقة ببيع الشهادات!
جامعة أم سوق عشوائي؟
ما يقع يعيد طرح سؤال جوهري: هل تحوّلت بعض الجامعات إلى أسواق عشوائية للعلم، حيث تباع الشهادات مثل رخص السياقة القديمة؟ وهل صار الماستر مجرد شهادة للتباهي في السيرة الذاتية، تُمنح لأسباب تتراوح بين “الوساطة” و”التحويل البنكي”، بينما يُقصى المجتهدون بعبارة “الملف لم يُقبل”؟
إلى أين تسير الجامعة المغربية؟
ما يجري ليس مجرد فضيحة، بل تسونامي أخلاقي يهدد معنى التعليم نفسه. فإذا كانت “الكلية” مكاناً لبيع المعارف، فمن الطبيعي أن نرى لاحقاً طلبة ماستر في القانون الدستوري لا يفرّقون بين “النص” و”النصف”، وحاملي دكتوراه في الاقتصاد يجهلون الفرق بين التضخم والعطالة.
الفضيحة فرصة، إن أردنا أن نُصلح قبل أن تنهار آخر أعمدة الثقة. لكن، كالعادة، يخشى البعض أن يُطوى الملف في رفّ “التحقيقات المفتوحة”… إلى أجل غير مُسمّى.