في زمن أصبح فيه “التيكتوكر” أقوى تأثيراً من أستاذ جامعي، وأسرع وصولاً من قنوات الأخبار، يبدو أن عائلة هشام جيراندو اكتشفت أن النقر على زر “نشر” قد يجرّك إلى زنزانة قبل أن يجلب لك “الترند”. محكمة عين السبع الزجرية، التي لم ترق لها نغمة العائلة في عزفها على أوتار المؤسسات الدستورية، قررت أن تقلب الموازين: من محتوى “ساخر” إلى أحكام صارمة.
لايكات مقابل غرامات… وتفاعلات خلف القضبان
البداية كانت بفيديوهات مسلية، أو هكذا ظنوا، لكن النهاية كانت جلسة مداولة وأحكام نزلت كالصاعقة على الأسرة. شقيقة هشام جيراندو، والتي يبدو أنها لم تكن سوى “مشاركة في الجريمة الرقمية”، نالت شهرين حبسا موقوف التنفيذ، وكأن المحكمة تقول لها: “بلا ما تعاوديها!”، ومعهم 20 ألف درهم كضريبة على نكتة لم تضحك المحكمة.
أما زوجها، فقد أدين بسنتين حبسا نافذاً، ربما لأنه ظن أن الدفاع عن الزوجة واجب حتى لو كان ضد دستور البلاد. أما ابنهما، فحصد أكبر عدد من السنوات، ثلاث سنوات حبسا نافذاً، كأنما شارك في انقلاب وليس في تعليق على فيديو.
أربعة آخرون… في “كولاب” خاسر
وكأن ذلك لم يكفِ، فقد دخل أربعة آخرون في الخط، ويبدو أنهم كانوا جزءاً من “الكاستينغ” الرقمي الذي خطه هشام جيراندو من منفاه الاختياري بالخارج. اثنان منهما نالا ثلاث سنوات حبسا نافذاً لكل واحد، والثالث سنتين، والرابع سنة واحدة فقط، كأن القاضي قال له: “راك غير ديزولي”.
الغرامات كانت بدورها سخية… أو قاسية حسب زاوية النظر، وتوزعت بين 20 و40 ألف درهم، وهو مبلغ كان من الممكن أن يُستثمر في معدات تصوير احترافية أو دورة تكوينية في “كيف تهاجم دون أن تُدان”.
الدستور ليس ترنداً… والمحكمة ليست جمهوراً
الدرس الأكبر في هذه القضية أن المؤسسات الدستورية ليست موضوعاً لنشرة خفيفة، وأن محكمة عين السبع لا تتفاعل بالقلوب الحمراء، بل بالمذكرات الزجرية. فحرية التعبير لا تعني الحرية في القذف، ولا تعني أن كل ما يُقال على الإنترنت يمكن تداوله وكأنه نكتة في مقهى شعبي.
هشام جيراندو، العقل المدبر في المنفى، ربما يكتشف الآن أن “المحتوى المثير” يثير أيضاً أجهزة القضاء، وأن “المشاركة” في الفيديوهات قد تتحول قانونياً إلى “مشاركة في الجريمة”، وهذا ما لا تُخبرك به خوارزميات تيك توك.
“احذر من اللايكات… فقد تجرّك إلى الزنازين”
ما حصل مع عائلة جيراندو هو تذكير – صادم للبعض ومريح للبعض الآخر – أن الخطوط الحمراء في المغرب ما زالت موجودة، وأن النكتة السياسية قد تتحول إلى قضية زجرية، خصوصاً إذا تجاوزت سقف الدستور وتسلقت أسطح المؤسسات.
في زمن المحتوى، أصبحت المحاكم تتابع ما تنشره أكثر مما تتابع ملفات التعمير. فانتبه، أيها التيكتوكر، فقد تكون الكاميرا شاهداً ضدك، والمونتاج سلاحاً ذا حد قضائي.