مفاوضات في مسقط… وإيران تفاوض على ما لم يعد موجودًا!

بوشعيب البازي

أخيرًا، اجتمع الأمريكي بالإيراني في مسقط، في مشهد لا يختلف كثيرًا عن لقاء رجلين يتفاوضان على بيع سيارة بعد أن سرقها طرف ثالث، فككها، وباعها قطع غيار في السوق السوداء. لا أحد يعرف عن ماذا يدور الحوار بالضبط، لكن كل طرف يدّعي أنه ما زال يملك المفاتيح، رغم أن “السيارة” – أي النفوذ الإيراني الإقليمي – أصبحت، عمليًا، في خبر كان.

إيران، التي كانت تفاوض سابقًا من موقع المنتصر، أصبحت اليوم تفاوض من موقع المؤرّخ: تحكي ما فعلته “ميليشياتها الباسلة” هنا وهناك، من اليمن إلى سوريا، ومن بيروت إلى البوليساريو! والولايات المتحدة، بدورها، تستمع كأنها تحضر عرضًا مسرحيًا بعنوان: “هكذا كنا عظماء”.

دعونا لا نخدع أنفسنا. إيران اليوم لا تفاوض على برنامجها النووي بقدر ما تفاوض على بقاء نظامها نفسه، وعلى هامش مناورة سياسي في منطقة لم تعد تثق بها، ولا تخشاها كما في السابق. مشروع “الهلال الشيعي” بات هلالًا مكسورًا، بلا أطراف، إلا في العراق، حيث ما زال للنفوذ الإيراني بعض الأسنان. لكنها أسنان من النوع القابل للخلع.

في مسقط، لا يُبحث الملف النووي بقدر ما يُعاد تركيب رواية تاريخية. المشكلة أن كل من في الغرفة يعرف أن القصة لم تعد تقنع أحدًا، حتى من كتبها! فبعد أن راهنت إيران على “طوفان الأقصى” وعلى حروب الوكالة من لبنان إلى غزة، وجدت نفسها في قلب إعصار إقليمي كشف هشاشتها: السنوار بات اسمه في قائمة “المفقودين”، و”حزب الله” بات يحكم فقط صور والضاحية، بالكاد، وبشار الأسد يتقاسم طاولة العشاء مع جنرالات روس لا يفهم لغتهم، لكنهم يترجمون له فواتير البقاء.

ووسط هذه الفوضى، تظهر ورقة البوليساريو كأنها “الجوكر” الإيراني الجديد! من كان يظن أن المشروع التوسعي الإيراني سيتحول يومًا إلى تدريب مقاتلين صحراويين في ضواحي دمشق؟ يبدو أن طهران قررت “تصدير الثورة” إلى من تبقّى على الخريطة… أو من لم يطلبها أصلًا.

ومع كل هذا، قد نُفاجأ قريبًا ببيان مشترك يقول إن الجولة القادمة من المفاوضات ستكون “حاسمة”. تمامًا كما كانت كل الجولات منذ 2003… لكن السؤال الأهم: حاسمة لمن؟ ولأي مشروع؟ وهل تفاوض إيران على بقاء “الجمهورية الإسلامية”؟ أم تفاوض على إعادة تعريفها من جديد، بعد أن تبين أن “الثورة” لا تُصدَّر إلا مغلفة بصواريخ لا تصل أهدافها؟

في النهاية، المشهد برمّته أقرب إلى مفارقة تاريخية. إيران التي دعمت الحروب الطائفية والمليشيات العابرة للحدود، تجلس الآن على طاولة مع “الشيطان الأكبر” لتطلب ضمانات. لا تتعلق بضرب منشآتها النووية، بل بضمان أن تبقى رقعتها السياسية تتنفس.

نعم، المفاوضات بدأت. لكن لا أحد يفاوض على المستقبل. الكل يفاوض على البقاء… أو على الخروج بأقل قدر من الخسائر.

أما المنطقة؟ فقد بدأت فعليًا تكتب فصلًا جديدًا… بدون وصاية إيرانية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: