من “الحرم الجامعي” إلى “سوق الماستر”: هل أصبحت المعرفة تجارة مربحة؟

بوشعيب البازي

في روايات الخيال، كانت الجامعات فضاءً للمعرفة، ومحرابًا للفكر، ومحرقةً لكل من تجرأ على إهانة العقل. أما في المغرب، فقد قررت بعض “الحرمات الجامعية” أن تحوّل نفسها إلى سوق أسبوعي، لا ينقصه إلا جمل ينعق من بعيد بـ”الماستر بخمسة وعشرين مليون يا لالا!”

آخر صيحة في عالم صفقات التعليم جاءت هذه المرة من جامعة ابن زهر بأكادير، حيث سُجّل هدف ذهبي في مرمى النزاهة: أستاذ جامعي للقانون، يدرّس مفاهيم العدل والشفافية، يقبع الآن خلف القضبان، بتهمة أنه لم يكتف بتدريس القانون، بل قرر تجربته على أرض الواقع… ولكن بالعكس!

تهمة الأستاذ: المتاجرة بالدبلومات، البيع بالتقسيط المريح، والولوج إلى الماستر بـ”توصية مالية”، لا يهم إن كنت طالبًا مجتهدًا أو حتى لا تفرق بين “المدعي والمدعى عليه”، المهم أن يكون جيبك مدججًا.

التحقيقات، حسب ما تسرب، كشفت عن شبكة علاقات مدهشة، تبدأ من المدرج وتنتهي في قاعة الامتحان الشفوي للمحاماة، مرورًا بأقارب وأصهار وأصدقاء وزملاء يشبهون فريق كرة قدم جامعي، حيث الحارس هو رئيس مصلحة بآسفي، والظهير الأيمن هو أستاذ جامعي آخر، والمهاجم زوجة الأستاذ نفسها، محامية “بشواهد مشكوك في مصدرها”.

لكن ما يثير الشفقة والسخرية معًا، ليس فقط سقوط أستاذ في ورطة قانونية أخلاقية، بل سقوط سمعة جامعة، وتلطيخ صورة مهنة، وتشويه فكرة أن “الجامعة مصنع للنخبة”. كيف نثق اليوم في أطر تخرجت من “ماستر تحت الطلب”؟ وكيف نقبل أن يصبح الولوج إلى مهنة المحاماة مشروطًا بعلاقة قرابة أو حوالة بنكية؟

وزارة التعليم العالي، بدلاً من أن تسارع إلى تعليق الماستر المشبوه، قررت على الأرجح تشكيل لجنة، تعين لجنة، تدرس مقترح لجنة، تصوغ توصيات لجنة… في انتظار أن تنتهي الدورة الجامعية ويبدأ موسم الغش القادم.

والحقيقة أن الفساد في الجامعات لم يعد خبرًا صادمًا. فمن “الجنس مقابل النقط”، إلى “الدبلوم مقابل الملايين”، يبدو أن الحرم الجامعي صار بحاجة إلى “حارس خاص”، لا لحماية الطلبة، بل لحماية ما تبقى من الهيبة.

ورغم أن بعض الأساتذة الشرفاء يقاومون هذا الانحدار، فإنهم يُواجهون بـ”تكتلات داخلية” و”مقاومة إصلاحية” ممن يعتبر الجامعة إرثًا عائليًا يُورَّث بالمحسوبية.

فهل نحن أمام “مافيا ماستر”؟ هل تحوّلت الجامعات إلى وكالات توظيف مشبوهة؟ وهل نحتاج إلى شرطة قضائية في كل مدرج؟

أسئلة كثيرة، لكن الجواب الأهم: إذا لم يُحاسب الفاسدون بقوة، فانتظروا “جيل المستقبل” يحمل الدبلوم بيد، ويرفع الأخرى قائلاً: “تخرّجتُ من جامعة ابن زهر، تخصص: الفساد بتقدير مشرف”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: