حين تتحوّل الدولة إلى دار للمسنين: تبون يعيّن “زميل الدراسة” رئيسًا لمجلس الأمة

بوشعيب البازي

يبدو أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لم ينسَ أيام الدراسة، ولا زملاء دفعة الستينات. ففي خطوة تُشبه ردّ الجميل أو الوفاء لذكريات مقاعد الإدارة الوطنية، قرّر أن يعيّن صديق دراسته القديم، القاضي المتقاعد عزوز ناصري (80 سنة)، رئيسًا لمجلس الأمة، ثاني أعلى منصب في الدولة، خلفًا لصالح قوجيل الذي اضطر إلى مغادرة المنصب بعد أن تجاوزته السنون والدستور معًا.

القرار، الذي مرّ بسلاسة عبر آلة التصويت الموالية في الغرفة العليا، فتح شهية الجزائريين على التساؤل، لا عن مؤهلات الرئيس الجديد، بل عن “السن القانونية” لممارسة السياسة في بلد يهاجره شبابه هربًا من البطالة واليأس، بينما يُساق شيوخه إلى هرم السلطة محمولين على عربات الذكرى والثقة الشخصية.

دولة تدوير العجزة

عزوز ناصري، القاضي السابق ورئيس المحكمة العليا الأسبق، لم يكن يومًا اسما لامعًا في الفضاء السياسي، بل ظلّ في الظل، متنقّلًا بين المجالس القضائية والدستورية، ثم اختفى عن الأنظار قبل أن يُعيده تبون إلى الحياة المؤسساتية سنة 2022 بتعيينه ضمن الثلث الرئاسي لمجلس الأمة. واليوم، يعود للواجهة من بابها الواسع: رئاسة المجلس نفسه.

لكن ما لم يكن في الحسبان، هو أن هذا التعيين سيُشعل مواقع التواصل الاجتماعي، لا بفرحة الإنجاز، بل بسيل من التعليقات الساخرة التي وصفت مجلس الأمة بـ”دار العجزة”، وتكهّنت بأن الاجتماع المقبل قد يُعقد في مصحة geriatrie، لا في قبة البرلمان.

“رائحة الحفاظات تفوح من المؤسسة”، كتب أحدهم، بينما علّق آخر: “المشعل للشيوخ… والسجن للشباب”. أما ثالث فسأل بمرارة: “هل هذا مجلس تشريع أم نادٍ للمتقاعدين؟”.

لغة عربية… بلهجة كارثية

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، لم يتأخر الرئيس الجديد لمجلس الأمة في تقديم مادة دسمة للسخرية، عندما ألقى خطابًا بمناسبة تنصيبه، ارتكب خلاله مجازر لغوية أمام الكاميرات. الكلمات تعثرت، القواعد انهارت، والنحو نُكّس على رأسه، مما دفع كثيرين للتساؤل: “إذا كان هذا حال الرجل الثاني في الدولة، فبماذا نُعزّي لغتنا؟”.

توازن الكرسي لا المؤسسات

بعيدًا عن اللغة والعمر، فإن اختيار ناصري لا يمكن فصله عن نمط تبون في الحكم: تفضيل الثقة الشخصية على الكفاءة السياسية، وتعيين الأصدقاء بدل انتخاب الكفاءات. ومن يعرف العلاقة التي تربط الرجلين منذ عقود، يدرك أن هذا القرار لم يكن نتاج مشاورات حزبية ولا نتيجة سباق برلماني، بل وليد هاتف رئاسي يُوزّع المناصب كما تُوزّع الدعوات لحفل شاي.

والأخطر أن هذا التعيين يأتي في سياق دستوري حساس، إذ تنص المادة 102 من الدستور الجزائري على أن رئيس مجلس الأمة يتولى الرئاسة مؤقتًا في حال شغور المنصب. أي أن ناصري ليس مجرد شيخ في مؤسسة منهكة، بل “خطة احتياطية” في حال طرأ طارئ على رأس الدولة.

دائرة الثقة الضيقة… وأزمة الشرعية الأوسع

ما يحدث اليوم في الجزائر ليس تدويرًا للنخب، بل تدوير للكراسي بين وجوه مُكرّرة، في بلد يعاني من انسداد سياسي، وضمور حزبي، وتراجع كبير في الثقة بين المواطن والدولة. وفي ظل غياب انتخابات نزيهة وتعدديّة حقيقية، يواصل النظام الحاكم إنتاج نفسه عبر دوائر مغلقة ووجوه قديمة، كما لو أن الجزائر تعيش على زمنٍ لا يعترف بالتقادم.

أما الشباب الجزائري، ذلك الذي يُفترض أن يكون عماد المستقبل، فما زال يراقب من الهامش، بين من اختار قوارب الموت، ومن اختنق بشهادته الجامعية في صفوف البطالة، ومن قرّر أن السخرية هي آخر شكل من أشكال المقاومة الممكنة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: