المغرب والإمارات يرسمان ملامح مستقبل طاقي ومائي مستدام عبر استثمارات استراتيجية ضخمة

بوشعيب البازي

في خطوة استراتيجية تعكس التحول العميق الذي يشهده المغرب في مجال الطاقة والماء، أعلن ائتلاف مغربي–إماراتي عن توقيع اتفاقيات استثمارية مع الحكومة المغربية، تصل قيمتها إلى نحو 14 مليار دولار، تشمل مشاريع بنية تحتية كبرى لإنتاج ونقل الكهرباء من مصادر متجددة، وتحلية مياه البحر، ضمن رؤية شمولية تسعى إلى تعزيز الأمن الطاقي والمائي للمملكة في أفق العام 2030.

ويمثل هذا التحالف، الذي يضم كلًا من صندوق محمد السادس للاستثمار، وفرع شركة “طاقة” الإماراتية في المغرب، وشركة “ناريفا” التابعة للهولدينغ الملكي، تتويجًا لمسار من التعاون المتين بين الرباط وأبوظبي، تأكد بشكل واضح في البيان المشترك الصادر عن الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد آل نهيان في ديسمبر 2023.

وتنص الاتفاقيات على تنفيذ سلسلة من المشاريع الطموحة، من أبرزها إنشاء خط كهربائي بطول 1400 كيلومتر، يربط محطات الطاقة الريحية في الأقاليم الجنوبية للملكة بمدينة الدار البيضاء، بطاقة إنتاجية تبلغ 1200 ميغاواط، إلى جانب إقامة محطات تحلية مياه البحر بطاقة سنوية إجمالية تقدر بـ900 مليون متر مكعب، سيتم تشغيلها بالكامل باستخدام مصادر الطاقة المتجددة.

ويهدف البرنامج إلى رفع حصة الكهرباء النظيفة في المزيج الطاقي المغربي إلى 52 بالمئة في أفق 2030، وهو هدف طموح يتطلب تحولا هيكليا في البنية التحتية الطاقية، خاصة وأن المملكة لا تزال تعتمد بنسبة تناهز 90 بالمئة على الوقود الأحفوري المستورد.

وفي هذا السياق، أكد عبد المجيد العراقي الحسيني، رئيس مجلس الإدارة الجماعية لشركة “طاقة المغرب”، أن هذه الشراكة تمثل “دعامة أساسية للانتقال الطاقي منخفض الكربون، وتسريع عملية إزالة الكربون من محفظة أصول طاقة المغرب، فضلًا عن تعزيز السيادة الطاقية والمائية الوطنية”.

وتتضمن المشاريع أيضًا توسيع محطة “تحدارت” لتوليد الكهرباء من الغاز الطبيعي في الشمال الشرقي، إلى جانب استثمارات في مشروع “الطريق السيار المائي” لنقل حوالي 800 مليون متر مكعب من المياه من الشمال إلى المناطق الوسطى، في ثاني تجربة من نوعها بعد مشروع أولي قيد التنفيذ.

وفي ظل التحديات المتفاقمة المرتبطة بتغير المناخ وشح الموارد المائية، تسعى الرباط إلى رفع طاقتها من تحلية المياه من 270 مليون متر مكعب سنويًا إلى 1.7 مليار متر مكعب بحلول نهاية العقد الجاري، مع تخصيص جزء كبير منها لتلبية الحاجيات الزراعية.

تأتي هذه المشاريع كتجسيد ملموس لرؤية مغربية–إماراتية مشتركة تؤمن بأن الاستثمار في المستقبل يمر عبر الانتقال الطاقي، والتدبير المستدام للموارد، وتعزيز التكامل الإقليمي في مجالات حيوية. وهو ما يرسّخ مكانة المغرب كمركز إقليمي صاعد في مجال الطاقات المتجددة، ويمنحه دفعة جديدة نحو تحقيق سيادته الطاقية والمائية في عالم يتجه بسرعة نحو الانعتاق من التبعية للوقود الأحفوري.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: