40% من الجزائريين ممنوعون من السفر: هل تحولت البلاد إلى “سجن سياحي”؟

حنان الفاتحي

في جمهورية يمنع فيها الصحافي من الطيران، ولا يُبلغ بمنعه إلا من طرف “أصدقاء في الرئاسة”، خرج علينا الإعلامي الجزائري رؤوف حرزالله بكشف يليق بأفلام الجاسوسية الرديئة الإنتاج: 40% من الجزائريين ممنوعون من السفر، حسب ما نقله عن وزير الاتصال محمد مزيان، خلال احتفالية رسمية لا علاقة لها بالسجون ولا بالمطارات.

السيد حرزالله، الذي وجد نفسه فجأة مدرجاً في قائمة “المشبوهين في الطيران”، حاول أن يفهم سر المنع. فلم تصله مذكرة، ولم يُبلغ بقرار، ولم يتفضل عليه أي جهاز أمني بإشارة ولو من بعيد. فقط اكتشف “مصيبته” عبر شخص أجنبي – نعم أجنبي! – مقرب من القصر الرئاسي، وكأننا أمام نسخة مغاربية من فيلم “المخبر الذي جاء من البرد”.

لكن المفارقة الكبرى ليست في المنع، بل في الطريقة التي عومل بها من طرف السلطات القضائية: ذهب إلى وكيل الجمهورية؟ صمت. إلى النائب العام؟ تجاهل. إلى المحامي؟ أخبره أن التهمة هي “الفساد”، تهمة فضفاضة تصلح لكل من يسير عكس تيار السلطة، حتى ولو كان لا يملك شركة أو حساباً بنكياً أو حتى سيارة “رونو 5”.

حرزالله لم يسكت، بل قام بما لا يُنصح به في دولة تكره الفضوليين: عاد إلى الجزائر بجواز سفر ثانٍ، ثم خرج منها أيضاً بجواز أجنبي. والنتيجة؟ لا أحد من شرطة الحدود سأله، ولا أحد ختم له جوازه، وكأن البلاد تدار بنظام “ادخل واخرج كما تشاء، فقط لا تتكلم”.

ومن قلب هذا العبث، سُجلت زلة لسان تاريخية لوزير الاتصال، الذي بدا وكأنه يتباهى بأن 40% من المواطنين ممنوعون من السفر. تصريح كهذا في دولة تدّعي الديمقراطية يستحق إقالة فورية، ومساءلة برلمانية، وبياناً من وزارة الخارجية للاعتذار للعالم على تحويل الجزائر إلى “سجن كبير مع إطلالة على البحر الأبيض المتوسط”.

لكن مهلاً، القضية أكبر من مجرد منع صحافي من السفر. إنها مرآة لحالة عامة من الانكماش الأمني والسياسي، حيث تتحول الإجراءات الاحترازية إلى عقوبات جماعية، وتتحول البلاد إلى فضاء مغلق يُدار بشبكات الولاء، لا بالقانون.

ختاماً، قد يكون على السلطات الجزائرية أن توضح: هل البلاد دولة؟ أم منطقة عسكرية موسعة؟ هل المواطن حر؟ أم موقوف احتياطياً حتى إشعار آخر؟ أما السيد الوزير، فنقترح عليه أن يراجع تصريحاته، لأن تحويل الجزائر إلى “سجن نصف مفتوح” ليس إنجازاً إعلامياً… بل فضيحة وطنية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: