ثمة نصابون صغار يتسكعون بين الحانات والصفقات الفاشلة، وثمة مصطفى عزيز، أو بالأحرى مصطفى بزيود، صاحب الأسماء المتعددة، والجوازات المتعددة، والحيل التي لا تنتهي. آخر إبداعاته: اتهام رسمي موجه إلى المدير العام للمخابرات الخارجية المغربية، السيد محمد ياسين المنصوري، يتهمه فيه بتكليفه بمهمات “سرية” في إفريقيا وأوروبا، ومنحه جواز سفر دبلوماسي، ومبالغ خيالية، وإقامات فاخرة على حساب الدولة. تهمة أقرب إلى مشهد من فيلم تجسس رديء، منها إلى واقع يمكن تصديقه.
المثير للسخرية أن هذه الادعاءات لا تأتي من ناشط سياسي أو معارض حقيقي، بل من شخص فار من العدالة، أدين غيابيًا في المغرب بالسجن النافذ في قضايا نصب واحتيال ثقيلة، وعلى رأسها محاولة السطو على تركة الملياردير الراحل لحسن جاخوخ، عبر وصية مزورة لا تحرم الورثة من الإرث فحسب، بل تحاول أن تحوّل المحتال إلى وريث رسمي ومقاول فذ بين عشية وضحاها.
مصطفى عزيز، الذي بدأ حياته مناضلًا حزبياً وصحافيًا هاويًا، تحوّل سريعًا إلى “رحالة نصب”، جال فيه بين الجزائر، وسويسرا، وفرنسا، وساحل العاج، وحتى العراق، حيث ادعى ذات مرة أنه قادر على تحرير رهينتين فرنسيتين من قبضة جماعات مسلحة مقابل مليوني دولار وطائرة خاصة… وعاد ليخبر من وثق به أن “الأموال ضاعت تحت وابل من الرصاص الأميركي”، في قصة لا يصدقها حتى مبتدئ في الخداع البصري.
هذا المحتال الذي باع كل شيء إلا الخجل، لم يكتف بسيرته السوداء، بل أسس حركة وهمية أسماها “مغرب الغد”، مستعينًا فيها بهشام جيراندو، المتخصص الآخر في “التحليل الفيسبوكي”، والذي بدوره صدرت في حقه أحكام قضائية ثقيلة. الاثنان معًا شكلا ثنائيًا يستحق فيلمًا هزليًا أكثر من منصة سياسية، خصوصًا حين بدأا مهاجمة خصومهما ومحامي عائلة جاخوخ، بل واتهام القضاء المغربي بـ”الظلم” لأن أحكامه لا تُفصّل على مقاسهم.
أن تتهم الدولة التي هربت منها، وتحاول الظهور بمظهر “الوطني الغيور”، فتلك قمة الوقاحة السياسية. أن تدعي أنك كنت تؤدي “مهمات استخباراتية”، بينما سجلك القضائي ممتلئ بعمليات نصب دولية، فتلك نكتة الموسم.
اليوم، يعيش مصطفى عزيز في فرنسا، يتقمص دور المنفي السياسي، بينما الحقيقة أنه مجرد هارب من العدالة، يسعى بكل ما أوتي من دهاء إلى مقايضة الوطنية بالإفلات من العقاب، واستعمال الشعارات كأوراق ضغط لابتزاز السلطات.
لكن المغرب، وإن كان يتساهل أحيانًا مع مهاجريه، لا يرحم من يسيء إلى سمعته بهذه الطريقة الرخيصة. والوطنية، كما يعرفها المغاربة، لا تُباع ولا تُشترى… ولا تُمنح في جناح فندقي مطل على الكورنيش.