بلجيكا على خط الاعتراف بمغربية الصحراء: مبادرة برلمانية تعكس تحولاً في مواقف أوروبا
حنان الفاتحي
في خطوة لافتة تحمل دلالات سياسية عميقة على مستوى العلاقات المغربية الأوروبية، أعلن حزب الحركة الإصلاحية البلجيكي، أحد أبرز مكونات الائتلاف الحاكم في بروكسيل، عن تقدمه بمقترح تشريعي داخل البرلمان الفيدرالي للاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. هذه المبادرة التي كشف عنها رئيس الحزب جورج لويس بوشي، تأتي لتؤكد التحول التدريجي في مواقف العواصم الأوروبية بشأن ملف الصحراء المغربية، والانخراط المتزايد في دعم مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل نهائي وواقعي لهذا النزاع الإقليمي.
بوشي، الذي سبق له أن زار مدينتي العيون والداخلة، أكد أن ما رآه على الأرض ينسف تماماً الروايات المغلوطة التي ما فتئت بعض الجهات تروجها منذ عقود، مشدداً على أن “المنطقة أصبحت فضاءً للتنمية والاستقرار والسلام تحت الإدارة المغربية”. واعتبر أن المخطط المغربي للحكم الذاتي هو “المسار الوحيد الموثوق نحو حل دائم وسلمي”.
مبادرة بلجيكية بمفعول أوروبي
وتحمل هذه المبادرة أهمية مضاعفة، لكون حزب الحركة الإصلاحية يتمتع بثقل سياسي معتبر، سواء في الحكومة الفيدرالية البلجيكية، حيث يتوفر على أربعة حقائب وزارية بينها وزارات سيادية كالأمن والطاقة، أو في البرلمان الأوروبي حيث يُعد فاعلاً مؤثراً في تحديد توجهات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. كما أنها تأتي في سياق تشهد فيه العلاقات المغربية الأوروبية عموماً، والبلجيكية خصوصاً، دينامية متصاعدة، سواء على المستويات الاقتصادية أو الأمنية أو القضائية.
من الحياد الرمادي إلى الموقف الواضح
ويرى مراقبون أن هذه المبادرة تشكل لحظة مفصلية في تاريخ الموقف البلجيكي، الذي طالما اكتفى بما يُعرف بـ”الحياد الرمادي”، دون أن يتخذ موقفاً صريحاً من النزاع المفتعل حول الصحراء. وفي هذا السياق، أكد الكاتب الصحفي بوشعيب البازي ، أن المقاربة الجديدة لحزب الحركة الإصلاحية تعبّر عن “انخراط واقعي ومتوازن” في حل هذا النزاع، داعياً بروكسيل إلى التفاعل الإيجابي مع المقترح التشريعي، والانسجام مع توجهات حلفائها الأوروبيين، وعلى رأسهم فرنسا وإسبانيا، اللتين عبرتا بشكل واضح عن دعمهما لمبادرة الحكم الذاتي.
واعتبر البازي أن المرحلة لم تعد تحتمل المواقف الرمادية أو الازدواجية السياسية في بناء الخط الدبلوماسي، مؤكداً أن بلجيكا مطالبة اليوم بالارتقاء بموقفها بما يعكس التحولات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة.
أبعاد أمنية واقتصادية
المبادرة تأتي أيضًا في إطار التعاون الثنائي المتزايد بين المغرب وبلجيكا، حيث أجرى بوشي لقاءات متعددة مع مسؤولين مغاربة، كان أبرزها اجتماعه بوزير العدل عبد اللطيف وهبي. اللقاء ركّز على التحديات المشتركة، خصوصاً في ملفات مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة، وتم التأكيد على ضرورة التنسيق القضائي وتبادل المعطيات لضمان سلامة مواطني البلدين.
من جهته، عبّر وزير الخارجية البلجيكي بيرنارد كوينتين، خلال زيارته الأخيرة إلى الرباط، عن دعمه لمبادرة الحكم الذاتي، مشيراً إلى أن بلاده “تتابع باهتمام تطور المواقف داخل الاتحاد الأوروبي”، ومثمناً ما وصفه بـ”التنسيق الأمني الممتاز والعلاقات الاقتصادية الواعدة” بين الطرفين.
تحولات عميقة في دبلوماسية بروكسيل
تصريحات كوينتين ورئيس حزب الحركة الإصلاحية تعكس بوضوح التحول في نظرة بروكسيل إلى قضية الصحراء، في وقت باتت فيه الرباط شريكاً لا محيد عنه في قضايا الهجرة والطاقة والأمن. ويبدو أن بلجيكا، شأنها شأن دول أوروبية أخرى، بصدد مراجعة موقفها التاريخي المتردد، لتنسجم مع مقاربة عملية تراعي مستجدات الميدان وتطورات المنتظم الدولي.
وفي هذا الصدد، شدد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على أهمية اعتماد منطق الدولة مع الدولة في العلاقات الثنائية، داعياً إلى تجاوز العلاقات القطاعية المحدودة وتوسيع الشراكة الإستراتيجية لتشمل ملفات هيكلية وتعاونية أكبر.
من الرباط إلى البرلمان الأوروبي
يرى المتابعون أن هذه المبادرة لن تقتصر على البرلمان البلجيكي، بل قد تكون مقدمة لتحركات مماثلة داخل البرلمان الأوروبي، بالنظر إلى الموقع المؤثر لحزب الحركة الإصلاحية في السياسة الأوروبية، ولما لهذه المبادرة من رمزية سياسية وتبعات دبلوماسية. كما أن السياق العام للزيارة، والتي شملت أيضاً حضور بوشي لمؤتمر اقتصادي بتطوان بدعوة من رجال أعمال بلجيكيين، يؤكد الطابع البراغماتي لتحركات الحزب، خاصة في ظل الوجود القوي للجالية المغربية في بلجيكا، والتي تشكل قاعدة انتخابية مؤثرة في الاستحقاقات السياسية المحلية.
نهاية مرحلة “الحياد” وبداية تموقع جديد
بمقترحه التشريعي، يضع حزب الحركة الإصلاحية بلجيكا أمام مفترق طرق واضح: إما الانخراط في دينامية الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، أسوة بشركاء أوروبيين وازنين، أو الاستمرار في مواقف لم تعد تعكس الواقع على الأرض ولا موازين القوى الدبلوماسية. وبين هذا وذاك، يظهر أن أوروبا بدأت تدرك أن طريق الحل يمر عبر الرباط، لا عبر الشعارات البالية لدبلوماسية فقدت البوصلة منذ عقود.