نهاية البوليساريو… حين يسقط القناع وتبقى الجزائر وحدها في العتمة

بوشعيب البازي

سقطت آخر أوراق التوت، وتبخّر حلم “الجمهورية الصحراوية” في صحراء الواقعية السياسية، بعدما أصبحت قضيّة الصحراء المغربية تحظى باعتراف متزايد من القوى الكبرى، من واشنطن إلى مدريد، ومن تل أبيب إلى بوغوتا. لم يعد هناك من يتحدث عن “تقرير المصير” إلا في نشرات وكالة الأنباء الجزائرية، أو في جلسات المقاهي الحزينة بجبهة البوليساريو، التي تحوّلت من “حركة تحرر” إلى شركة مفلسة تبحث عن مستثمر أخير.

المغرب، بهدوء الواثق وخطى الدبلوماسية الذكية، نجح في قلب الموازين. لم يرفع الشعارات الجوفاء، بل راكم الاعترافات، اتفاقيات التعاون، واستثمارات لا تعترف بخريطة مُفبركة على الورق. في المقابل، الجزائر ما تزال تدفع ملايين الدولارات سنويًا لتمويل دعاية “ثورية” في زمن لم يعد فيه أحد يصدق رواية الحرب الباردة.

الجزائر الرسمية، رغم خيباتها المتلاحقة، قررت أن تُجرب سلاح الغاز. فتحت صنابيرها شرقًا وغربًا، علّها تشتري موقفًا سياسيًا أو تؤجل اعترافًا جديدًا بمغربية الصحراء. لكنها نسيت أن الغاز يُطبخ به الحساء، لا تُشترى به السيادة. أوروبا، المتعطشة للطاقة، أخذت ما تحتاجه، ثم عادت لتوقيع اتفاقياتها مع الرباط. أما البوليساريو، فتركت لهم علبة كبريت فارغة وخيمة مثقوبة في مخيم تندوف.

اللافت أن الجزائر، في عنادها المزمن، لا ترى أنها تسير في طريق عزلة لا تليق إلا بالأنظمة المتجمدة التي تجاوزها الزمن. تُلوّح بخطر الحرب، وتوزّع بيانات النفي والتنديد كما توزّع البطاطا المدعمة، وتنسى أن العالم لم يعد يتعامل مع صراخ الثمانينات، بل بلغة المصالح والنجاعة والشرعية.

والأخطر من كل هذا، أن النظام الجزائري لا يعي أنه يعيش في قوقعة انفجرت كل حيطانها. فالدولة التي تمنع الأحزاب الحقيقية، وتقمع الصحفيين، وتُلاحق المعارضين بتهم مضحكة من قبيل “تهديد الوحدة الوطنية”، لا يمكنها أن تُقنع أحدًا بأنها تحمي حق الشعوب في تقرير المصير. الشعب الوحيد الذي يريد حقه فعلًا… هو الشعب الجزائري نفسه.

المؤشرات كلها تؤكد أن الجزائر تتجه نحو مصير شبيه بما حدث في ليبيا وسوريا، لا لشيء إلا لأن العالم لن يصبر طويلاً على نظام يوزع الغاز في الخارج ويصنع الطوابير في الداخل. نظامٌ يُقايض الدول بالبترول ويقايض شعبه بالأمن، لا بد أن ينهار تحت ضغط التاريخ، أو تحت أقدام ضربة خارجية، تحت عنوان “الديمقراطية المؤجلة”.

هذا فقد سقطت البوليساريو، لا بصاروخ مغربي، بل بثقل الكذب الذي انهار على رأس صانعيه. أما الجزائر، فما زالت تبحث عن “حل سياسي مقبول للطرفين”، لكن في غرفة مظلمة، حيث لا يوجد طرف آخر… سوى ظلها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: