الزراعة والماء: رؤية ملكية تؤسس لأمن غذائي مستدام في المغرب

بوشعيب البازي

في خضم التحديات المناخية والاقتصادية التي باتت تهدد أمن الدول واستقرار شعوبها، برزت في المغرب رؤية استراتيجية متكاملة يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس، قوامها عنصران أساسيان: الزراعة والماء، باعتبارهما المرتكزين الحيويين لضمان الأمن الغذائي الوطني.

ففي ظل توالي مواسم الجفاف، واستنزاف الموارد المائية الجوفية والسطحية، كان لا بد من تدخل مباشر وشامل يزاوج بين معالجة الإكراهات الطارئة، وابتكار الحلول طويلة الأمد. وهكذا، جاءت التوجيهات الملكية لتُفعّل حزمة من التدابير الهيكلية التي أعادت تشكيل سياسة تدبير الثروة المائية في البلاد، بما يشمل بناء سدود جديدة، وتحديث شبكات الري، والتوجه إلى تحلية مياه البحر والربط بين الأحواض المائية.

هذه المقاربة لم تكن معزولة عن السياق الاقتصادي العام، بل انسجمت معه عبر دعم الفلاحين، وتوفير تقنيات حديثة للزراعة، وتعبئة مختلف الفاعلين، من القطاعين العام والخاص، وعلى رأسهم المكتب الشريف للفوسفات، الذي لعب دورًا محوريًا في إرساء أسس صلبة لسلاسل إنتاج وتوزيع الأسمدة والمنتجات الزراعية.

وقد برزت نجاعة هذه السياسة خلال جائحة كورونا، حين واجه المغرب واحدة من أكثر الأزمات العالمية تعقيدًا. بفضل التوجيهات الملكية، ظلت الأسواق الوطنية مزودة بكميات كافية من الأغذية، بأسعار مستقرة، رغم الاضطرابات التي هزّت سلاسل الإمداد في مختلف دول العالم. ذلك لم يكن ليتحقق لولا التخطيط الاستباقي، الذي أتاح توفير مخزون مائي كافٍ، واستثمارًا متواصلًا في تنمية العالم القروي، وخلق دينامية فلاحية عززت من صمود الاقتصاد الوطني.

وعلى امتداد سنوات حكمه، أظهر الملك محمد السادس حرصًا متواصلًا على تعزيز الإدارة المتكاملة للمخاطر، سواء في الجانب البيئي أو الاقتصادي أو الاجتماعي. فكما واصل نهج والده الراحل الملك الحسن الثاني في بناء السدود، طور أيضًا البنية التحتية المائية، وأشرف بشكل مباشر على مشاريع ذات بُعد استراتيجي، من شأنها الحد من آثار التغيرات المناخية، وتحقيق الأمن المائي والغذائي للمملكة.

ولعل أبرز تجليات هذا التوجه، القرار الملكي الأخير القاضي بإلغاء شعيرة أضحية العيد لهذه السنة، في خطوة غير مسبوقة، هدفها حماية القطيع الوطني الذي تضرر بفعل الجفاف، وضمان إعادة تكوينه بشكل مدروس. وقد تم تأطير هذا القرار بمجموعة من التوجيهات الملكية الصارمة خلال المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 12 ماي، حيث تم التأكيد على ضرورة تتبع الدعم الموجه للفلاحين عبر لجان محلية خاضعة لإشراف وزارة الداخلية، بما يضمن الشفافية والفعالية.

وفي نفس الإطار، تم استفسار وزير التجهيز والماء حول وضعية السدود، حيث أكد أن معدل ملء السدود بلغ 40.3%، ما يعادل حوالي 6.7 مليار متر مكعب، وهو رقم يعكس تحسنًا ملحوظًا مقارنة بالسنوات السابقة، بفضل التساقطات المطرية الأخيرة.

رغم ذلك، يدرك المغرب أن التحديات مستمرة، وأن موقعه الجغرافي يجعله عرضة لأزمات مناخية متكررة. لهذا، تسارع الدولة إلى تنفيذ مشاريع كبرى في مجال تحلية المياه، وربط الأحواض المائية، وإطلاق استراتيجية “الجيل الأخضر”، التي تسعى إلى تصحيح أخطاء الماضي وتوفير شروط الإنتاج المستدام، عبر تطوير سلاسل القيمة وتحقيق التوازن بين الجودة والكمية.

إن الأمن الغذائي لم يعد خيارًا ظرفيًا، بل أضحى أولوية وطنية تُرسم من أعلى هرم الدولة، ويجري تنزيلها على الأرض عبر مشاريع متكاملة تراعي البُعد البيئي، وتُحسن شروط عيش المواطن المغربي، خاصة في المناطق القروية، التي ظلّت محور اهتمام السياسات الملكية منذ تولي جلالته العرش.

وبين تدبير المخاطر، واستشراف المستقبل، تُبنى رؤية المغرب، حيث لا تنفصل الزراعة عن الكرامة، ولا الماء عن الاستقلال الاقتصادي، في مشروع وطني يقوده ملك جعل من السيادة الغذائية عنوانًا لاستقرار الأمة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: