في بروكسل… حيث قطعة قماش تهز دولة

بوشعيب البازي

بينما تمر أوروبا بأزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة، اختارت بعض البلديات البلجيكية أن تفتح جبهة جديدة: الحجاب. أجل، قطعة قماش تعود لتشغل المجالس المحلية، وتشعل الحروب الكلامية، وتُستدعى على عجل إلى واجهة النقاش العمومي، وكأن بروكسل لم يبقَ فيها ما يُناقش سوى ماذا ترتدي الموظفة في الإدارة العمومية.

في بلدية مولنبيك، صوّت المجلس البلدي يوم الثلاثاء لصالح إطلاق مشاورات تهدف إلى مكافحة التمييز في التوظيف داخل الإدارات، بما في ذلك التمييز ضد النساء المحجبات. قرار بسيط، في ظاهر الأمر، لكن كفيل بإشعال ساحة النقاش البلجيكي، التي لا ينقصها في العادة لا الهلع ولا “الاستنفارات العلمانية”.

أما في أندرلخت، فالقضية عادت للواجهة كضيف ثقيل لا يُغادر. كلما حاولت البلديات الحديث عن الدمج والتنوع، يقفز شبح “الحياد” من خلف الستار، ليحول النقاش إلى محاكمة غير معلنة لقطعة قماش، كأن الحجاب صار مشكلة الدولة الأولى، وعقبة التنمية الوحيدة.

المفارقة الساخرة أن البلديات نفسها التي تصرخ ضد الحجاب، تعاني من نقص مزمن في الكفاءات، وتشتكي من عزوف المواطنين عن الخدمة العمومية، ثم ترفض توظيف نساء مؤهلات فقط لأنهن يلبسن الحجاب. يبدو أن “الحياد” في بلجيكا بات مرادفًا للإقصاء، وأن النضال ضد “التمييز” يبدأ بمزيد من التمييز.

لكن الحقيقة المزعجة للبعض هي أن بروكسل تغيّرت، وسكانها تغيّروا، ومؤسساتها يجب أن تعكس هذا التنوع بدل التنكر له. أما أولئك المهووسون بملاحقة الحجاب، فربما عليهم أن يقلقوا أكثر من ارتفاع الأسعار، وتدهور المدارس، واختفاء العدالة الاجتماعية… بدلاً من خوض معارك وهمية ضد مناديل الرأس.

هكذا إذن، في قلب أوروبا، ما زال بإمكانك أن تهز مؤسسات كاملة بلفحة على الرأس. أهلاً بكم في بلجيكا… حيث “قطعة قماش” تثير رعب الدولة أكثر من تقارير البطالة والدين العام

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: