من “الجزائر الجديدة” إلى الأساليب القديمة: عبد المجيد تبون بين الوهم والبارانويا
بوشعيب البازي
في زمن يتسابق فيه الرؤساء على إطلاق الوعود الرنانة، اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مساراً مغايراً: اختطاف المعارضين، إرسال الدبلوماسيين في مهام استخباراتية، وتصفية الحسابات بأساليب تصلح أكثر لفيلم من إنتاج رديء، لا لإدارة دولة. تحقيق صحيفة لو جورنال دو ديمانش الصادر في 10 ماي، لم يفضح فقط ممارسات المخابرات الجزائرية، بل عرّى أيضاً رئيسها من قناع “عمي تبون” الذي يطلّ به في خطبه.
أمير دي زاد… الصداع المزمن في رأس النظام
القضية التي فجّرت كل شيء بدأت بمحاولة اختطاف اليوتيوبر الجزائري المعارض “أمير دي زاد” في فرنسا. نعم، على الأراضي الفرنسية. العملية فشلت، لكنها كشفت المستور: تورط دبلوماسيين جزائريين، ضباط مخابرات، وربما حتى صاحب الكرسي في قصر المرادية شخصياً. تقول الصحيفة إن تبون لم يكتفِ بالتحريض، بل كان هو من أمر ببدء مطاردة المعارضين، واحداً تلو الآخر، كما لو أن الجزائر تدار من مكتب تحقيقات وليس من مؤسسة رئاسة.
“عمي تبون” حين يغضب… اقطع الاتصال فوراً
في الجزائر، يُطلق على الرئيس لقب “عمي تبون” بلُطف شعبي، لكنه في واقع الأمر، كما ترسمه الصحيفة الفرنسية، رجل حانق، عصبي، ومتقلب المزاج. أحد الوزراء السابقين يصفه بـ”الاندفاعي”، وهو وصف ديبلوماسي لقول الحقيقة: الرجل لا يتحمل النقد، ولا يقبل النقاش، ويعيش – منذ اضطر لترك الكحول بعد إصابته بكورونا – في حالة من التوتر المزمن، يتحول فيها النقد السياسي إلى خيانة، والمعارضة إلى إرهاب.
المعارضة في الجزائر: منفى خارجي أو زنزانة داخلية
النتيجة؟ أكثر من 250 سجين رأي، منهم شعراء وصحفيون وكتّاب، اعتقلوا بتهم تكاد تكون نُسِخت من دليل الأنظمة الشمولية: “المساس بأمن الدولة”، “تمويل الإرهاب”، و”نشر أخبار كاذبة”. أما خارج الجزائر، فالحملة لم تتوقف. عمليات ترهيب واختطاف في فرنسا، إسبانيا، وأماكن أخرى، كلها تنفَّذ بأسلوب هاوٍ، لكن بتمويل رسمي. يبدو أن المخابرات الجزائرية استبدلت التدريب بالمحسوبية، واكتفت بعبارة: “المهم نجيبوه”.
الجنرال صادق… رائد العمليات القذرة
في قلب هذه الشبكة الأمنية، يبرز اسم الجنرال رشدي فتحي موساوي، المعروف بلقب “صادق”. رجل مهمات تبون القذرة، مدير المخابرات الخارجية، والذراع الذي ينفّذ ما لا يجوز للرئيس أن يوقعه بنفسه. يُقال إنه انتقل من رتبة عقيد إلى “حاكم الظل” في أقل من أربع سنوات، فقط لأنه صديق ابن الرئيس، محمد تبون. هكذا تدار الأمور في الجزائر الجديدة: بالقرابة، لا بالكفاءة.
هشام عبود، عبدو سمار، وآخرون: لائحة مستهدفي النظام تتسع
لم يكن أمير دي زاد وحده على لائحة “غير المرغوب فيهم”. هشام عبود اختُطف في برشلونة، عبدو سمار تعرض لاعتداء في باريس، والعدد مرشح للارتفاع. ومن غرائب الأمور، أن بعض المشتبه فيهم عادوا إلى الجزائر بعد تنفيذ الاعتداءات، كما لو أن جوازاتهم الدبلوماسية تضمن لهم الحصانة ضد الغباء.
“إما معي أو ضدّي”… عقيدة الجزائر الرسمية
تصف لو جورنال دو ديمانش النظام الجزائري اليوم بأنه لا يعرف الحلول الوسطى. إما أن تهتف باسم تبون، أو تصبح “إرهابياً” وفق المرسوم الرئاسي. هذا ليس حكم دولة، بل تصفية حسابات شخصية على نطاق وطني. حتى الدبلوماسية، التي يُفترض أن تُدار بلباقة، أصبحت امتداداً لحملة ترهيب عالمي يقودها الرئيس الجزائري شخصياً.
رئيس دولة أم مدير مافيا؟
ما تكشفه الصحيفة الفرنسية ليس مجرد انزلاق هنا أو تجاوز هناك، بل صورة متكاملة لنظام تحوّل فيه الرئيس إلى قاضٍ وجلّاد، يستخدم مؤسسات الدولة لتصفية خصومه. لم تعد “الجزائر الجديدة” سوى شعار أجوف يُخفي خلفه دولة عالقة في ماضيها الأمني، يُديرها رجل لا يتحمّل النقد، يكره الصحفيين، ويحنّ للزمن الذي كان فيه الخصم يُسكت بـ”الطريقة القديمة”.
الفرق الوحيد؟ أن هذه المرة، العالم يشاهد… ويسجّل.