مأزق الورود والركلات الدبلوماسية

بقلم: بوشعيب البازي

يبدو أن العلاقات الفرنسية-الجزائرية دخلت مرحلة جديدة من “الحوار غير المباشر” عبر الحقائب الدبلوماسية… الفارغة. لا لقاءات، لا مؤتمرات، لا مصافحات أمام الكاميرات—فقط طرد متبادل بالدستورية الباردة، مع باقات ورد توضع على قبور الماضي.

فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، بكل ثقة وجدية، أن العلاقات مع الجزائر “مجمدة تمامًا”، في تصريح كان يمكن أن يكون حزينًا لولا أن جاء متزامنًا مع زيارة نواب فرنسيين لوضع إكليل زهور في ذكرى مجازر 8 مايو 1945… وهي لفتة راقية لو لم تكن العلاقات في نفس اللحظة تُدفن جنبًا إلى جنب مع الضحايا.

بارو بدا وكأنه يمارس هوايته الجديدة: إلقاء التصريحات على طريقة “سنُعلن لاحقًا ما إذا كنا سنتخذ قرارًا ما”، مؤكدًا أن فرنسا قد تتخذ “تدابير إضافية” ضد الجزائر، دون الحاجة لأن يوضح ما هي، متذرعًا بأن “هكذا تعمل الدبلوماسية”. والحق يُقال، لم نعد نعرف إن كنا أمام دبلوماسية أم مسرحية بوليسية فرنسية من الدرجة الثانية، عنوانها “12 دبلوماسياً في العراء وورود على المقابر”.

القصة بدأت بطرد الجزائر لاثني عشر موظفًا فرنسيًا، بينهم – حسب ما يتداول – اثنان دخلا البلاد بجوازي سفر “دبلوماسيين مزورين”، تابعين للمديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسية. تفاصيل تصلح لفيلم تجسس، ولكن من النوع الذي يُعرض على التلفزيون العمومي بعد منتصف الليل. الجزائر رأت أن الموضوع ليس نزهة أمنية، فقررت طرد “الضيوف غير المدعوين”، لترد باريس بطرد مماثل. تبادل غير ودي لبطاقات السفر، مع ختم “غير مرغوب فيك” على الجوازات.

وبينما لا يزال السفير الفرنسي في الجزائر في “إجازة إجبارية” بباريس منذ استدعائه، يبدو أن العودة ليست وشيكة، وربما لن تكون إلا بعد أن تنتهي فرنسا من “تفكيك” ذاكرة الحقبة الاستعمارية قطعة قطعة، أو على الأقل بعد أن تكف الجزائر عن اعتبار كل جواز دبلوماسي فرنسي… قضية أمنية.

الطرفان يتعاملان كما لو أن كل خطوة هي آخر معركة، وكل تصريح قنبلة دخانية. وفي ظل هذا الجو المكهرب، تظل الشعوب بين المطرقة الدبلوماسية والسندان التاريخي، تشاهد المسرحية من الصفوف الخلفية، وتكتفي بالتصفيق حين تُلقى الورود بدلًا من القنابل.

فهل آن أوان إلقاء الورود على قبور الخلافات بدلًا من العلاقات؟ أم سنظل نكتب عن دبلوماسية “خذ وردة واضرب بها سفيرًا”؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: